التنويم المغناطيسي وسحر السكر
سحر السكر Intoxication
حتى نستطيع فهم سحر السكر، أو ما درج أن يطلق عليه (التنويم المغناطيسي Hypnosis)، يجب أولاً أن ندرك الفارق الكبير بين مفهوم سكر العقل، وتعطيله عن العمل والتفكير الإرادي، والناتج عن تناول الخمور المسكرة، وبين تخدير الأحاسيس، وعجز حواس الإنسان عن إدراك المحسوسات، والناتج عن تناول العقاقير المخدرة والبنج، وبين تبلد المشاعر، وبرودة مشاعر الإنسان عن تحريك عواطفه، والناتج عن انغلاق قلبه، فالمنافقون أحاسيسهم مخدرة، فهم مختوم على قلوبهم وسمعهم وبصرهم، وقلوبهم مريضة متبلدة لا مشاعر فيها، مغيبة عقولهم، فهم في سكرتهم يعمهون، قال تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الحجر: 72]، لأنهم لا يستطيعون التمييز بين الحق والباطل، والحكمة والسفاهة، وقد جمع الله عز وجل الشواهد على هذا كله في أوائل سورة البقرة فقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَاهُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَايَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ) [الحجر: 7، 13].
فسكر العقل هو تعطل المخ عن القيام بوظائفه الحيوية كالسمع والبصر ..إلخ، بحيث تتعطل وظائف العقل عن السيطرة والتحكم تبعًا لإرادته، ويجب أن نربط بين هذا كله وبين قدرة الجن على التحكم والسيطرة على كل عمل المخ ووظائفه، خاصة وهو ثابت قدرة الجن على التحكم في وظائف المخ، وبالتالي قد يصيب الإنسان بنفس الأعراض الناتاجة عن المؤثرات الخارجية، وبدون تعاطيها كالخمور والمخدرات واللامبالاة، قال تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ) [الحجر: 14، 15]، فقد ربطت الآية بين الخوارق وبين السحر، وبينت عقيدة الكفار في مواجهة الخوارق بتعمد الخلط بين الفوائق والخوارق، فلو أن الله أتاهم بمعجزة لزعموا أنهم أصابهم سحر سكَّر أبصارهم، بحيث يتخيلون أن بابًا من السماء مفتوح أمامهم، فرغم أنها معجزة عظيمة لا ينكرها إلا جاحد، إلا أنهم سيجدوا لأنفسهم مخرجًا من إقامة الحجة والبينة عليهم، فسيزعموا أنهم أصابهم سحر سكر أبصارهم، إذا فهناك سحر يمكن أن نطلق عليه (سحر سكر)، وجميع أعراض هذا السحر تتفق وما يطلقون علبه التنويم المغناطيسي، وهو اسم رمزي، وضعوه ليعبر مجازيًا عن هذا العلم،لكن في الحقيقة هو لا يعبر إطلاقًا عن الحالة التي يكون عليها المنوم، كما يعبر لفظ السكر.
(ويرى ريزل أن جميع حالات الشعور الغريبة التي حيرت البشرية منذ قرون خلت، كالنشوة الدينية (سمادي Samadhi في اليوغا، ساتوري Satori في الزن، والنشوة الصوفية) وغيبوبة الوسيط الروحي، وحالة ممارسة السحر عند الاستحضار السحري، كل ذلك ليس سوى تجليات لحالة واحدة هي التنويم المغناطيسي). (الماجدي؛ خزعل [بخور الآلهة دراسة في الطب والسحر والأسطورة والدين] ط الأولى 1998/ الأهلية للنشر والتوزيع _ عمان). صفحة (429).