الكاتب: بهاء الدين شلبي.
[1]سعد الخادم يقول: (وهكذا فكلما تعقبنا دراسة العادات والتقاليد الشعبية ظهر لنا ارتباطها بديانات قديمة وأساطير المجتمع الشعبي وعاداته التي تفسر على أنها نوع من الشعوذة والخرافة، وهى في الحقيقة عالم متكامل الصلة بين مظاهره المتعددة، فهو رغم مظهره المتناقض يكون نمط من التفكير وأسلوبا له مقوماته، قلما توفرت فيه عوامل السذاجة والجدة المصادفة). [2]
وكمعالج احتك بعالم الجن والشياطين وتعامل معهم حتى اكتسبت قدر من الخبرة جعلت هذا العالم مألوفا بالنسبة لي على الأقل، وما اكتشفته من واقع علاقة الإنس بالجن أكثر بكثير جدًا مما سيرد ذكره مما لا يصدقه عقل، ويفوق في وصفه الخيال وأساطير (ألف ليلة وليلة)، مع الفارق بين خيال المؤلف وبين الواقع الملموس الذي يفتقد دائما للدليل المادي، ولكن ما سيرد ذكره هو مجرد موجز يصف الجزء الملموس من واقع هذه العلاقة، ومقدمة مختصرة لو كما يقال (وما خفي كان أعظم) لا أستطيع نشره، تعميم إنكار الباطل، ولست من هواة تصيد السقطات وكشف العورات، فما رأته عيناي وسمعته أذناي قد لا أملك عليه دليلا ماديًا يؤكده، هذا تبعًا للمنهج العلمي للبحث والدراسة، اللهم إلا المرضى الذين قصوا على مشاهداتهم في الجلسات، فقد يعدها البعض شطحة خيال مؤلف، أو خرافة قد يكون نشرها سببا في زيادة كثافة [الدخان الأسود]، فلا طائل من وراء ذكر ذلك إلا زيادة الشعور بالألم، لذلك سنأخذ العبرة مما تراكم في المجتمع من رواسب سحرية شائعة، حتى لم يعد هناك بيتًا يخلو من ذلك البلاء الذي حل علينا بسبب انتشار السحر، لكن يكفينا الثمرة الخبيثة كدافع لإنكار الأصل الفاسد بثبوت فساد نتائجه.
بيان سبيل المجرمين ومواجهته: لا يمنع انتشار الخبث من وجود الحق عزيزًا لا ينازعه الباطل في ثباته، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9] ولأنه لا إكراه في الدين، فمن الواجب علينا تجنب السلبية، وأن نكون إيجابيين فنأخذ الحق ما علمناه، وننحى الباطل ما اعترض طريقنا، كما كان حال سلفنا الصالح من قبل، لذلك يجب أن نصفي معتقداتنا من تلك الخرافات.
أنور الجندي يقول: (لم يطمس المسلمون حضارات من سبقهم بل حاولوا مراجعة نتاجها وتصفية وإساغة الصالح منها، ورد الزائف، وتصحيح المقاييس الخاطئة، وتحرير هذا النتاج كله من أوضار الوثنية، وتصفيته في بوتقة التوحيد الخالص، وقد عالجوا الأمور بعقلية متفتحة، وصدر رحب، فرفضوا الفلسفات الإلهية القائمة على الوثنية والإباحية، وحرروا شذرات الفلسفة، فأهملوا تلك التي لا تحقق نتائجها، كالسحر والنجوم والأساطير، وصححوا أخطاء بطليموس وأرسطو.. ) [3]
إن المتتبع لأصول الكثير من عادتنا وتقاليدنا، سيجد أن كثيرًا مما نشأنا وترعرعنا عليه ليس لا صله بالإسلام ابتداءً، ويخالف التوحيد انتهاءً، حيث أن الكثير منها ذو أصل وثنى، فإما أهمل فلم يعالج، على وجه أخص في الأماكن النائية والمتطرفة، وخاصة ما كان من دول على حافة الدولة الإسلامية كالبوسنة والشيشان والصومال وكشمير وإندونيسيا، فاستفحل أمره، وإما استمر إحياءه عن طريق التقليد الأعمى، أو أن أحد قد دسه إلينا في الخفاء دون أن ندرى!
وإذا علمنا مدى خطورة تلك الرواسب الوثنية على المعتقدات وثيقة الصلة بدين الله تعالى، أدركنا حتمية وضرورة التعرف عليها وكشفها، لنقف على حكمها ببصيرة الإسلام، فإنه من الخطورة بمكان أن نعفوا صفحًا عن تلك المسوخ العقائدية، لأنها من جهة ستفسد صلتنا بالله، ومن جهة أخرى ستكون لصيقة بالإسلام وأهله، بما يشوه صورة الإسلام والمسلمين أمام الله عز وجل، ومن ثم أمام الناس جميعًا، وإن السكوت عن تلك الأخطاء لا مانع مطلقا أن يكون سببا في حلول غضب الله علينا، واستحقاق سخطه، وتأخير النصر والظفر، ولا مانع مطلقًا أن تنزل بنا سنة الاستبدال قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُواْ أَمْثَالَكُمُ) [محمد: 38].
فلا بد من البدء في تطهير معتقداتنا من كل باطل، وإصلاح ما فسد منها لقوله تعالى: (وَإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام: 54].
العلامة ابن السعدي يقول: (فلابد مع ترك الذنوب الإقلاع والندم عليها، من إصلاح العمل وأداء ما أوجب الله وإصلاح ما فسد من الأعمال الظاهرة والباطنة فإذا وجد ذلك كله (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الأنعام: 54]، (أي: صب عليهم من مغفرته ورحمته، بحسب ما قاموا به مما أمرهم به). [4]
فبقدر ما سنكتشف من باطل وبقدر ما نطهر أنفسنا منه، بنفس ذات القدر سنحقق تقدمًا إلى الأمام في نشر الدين، وعودة الخلافة الإسلامية، فكيف نأمل في نصر الله عز وجل وقد علت جباه المسلمين الساجدين لله ذلك الصقر الذي يتوسط أعلامنا وراياتنا ويعتلى أكتاف رجالنا وصدورهم؟! وكيف تحف الملائكة جندي همام من جنودنا البواسل وقد أحيط جسده بصورة ذلك الصقر، على صدره وعلى كتفيه وفوق جبينه، مع أن الملائكة لا تدخل بيت فيه صوره ؟! فكيف ينصر جيش الملائكة تنفر منه؟ لا يعقل مطلقا أن يحالفنا النصر وقد علقنا تلك التمائم والأوثان، وقد كان لنا عبرة في تلك النكسات التي منينا بها سابقا، ومن حينها لم ترفع رأسنا إلى اليوم، على الأقل لازلنا نحيا آثارها، ويكفى المسلمين هزيمة وعارًا ضياع المسجد الأقصى من بين أيديهم، ولا عجب أن يخرج علينا من يقول أنهزم من أجل صوره ؟ نحن نهزم لما تحمله هذه الوثنيات من عقائد فاسدة تخامر عقول خربة من صحيح العقيدة، ولأنها مخالفات شرعية عقائدية ثابت حرمانيتها، وإن صغر حجمها في الدنيا فهي عظيمة عند الله في الدنيا وفي الآخرة .
قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف: 106](فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى، وأنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده، فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الحال لم يبق عليهم أن يحل بهم العذاب، ويفجأهم العقاب وهم آمنون). [5]
قال تعالى: (أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ تَأتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [يوسف: 107]، لذلك فإن السكوت عن تلك الشركيات، وعدم بيانها والرجوع عنها قد يكون سببا في عذاب يغشاهم ويعمهم ويستأصلهم فجأة )وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ( أي: فإنهم قد استوجبوا لذلك، فليتوبوا إلى الله ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم). [6]
وإذا ضربنا مثلا بما سبق، فالسلبيات كثيرة وأكثر من أن يحصيها كتاب، فالبحث وراء تلك البدع ذات الأصل الوثني، ليس إلا استبانة لسبيل المجرمين والضالين حتى نتجنبه ونتبرأ منه، وإذا كانت بضدها تتباين الأشياء، فذلك حتما بالضرورة قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الأَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 55].
(أي نوضحها، ونميز بين طريق الهدى من الضلال، والغي والرشاد ليهتدي بذلك المهتدون، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)، الموصلة إلى سخط الله وعذابه، فإن سبيل المجرمين إذا استبانت وإتضحت أمكن إجتنابها والبعد عنها، بخلاف ما لو كانت مشتبهة، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل).[7]
ولولا إثم شيوع الفاحشة ونشرها بين الناس، لأوردت الكثير مما وقع الناس في شره، من الذين أوقعوا أنفسهم فيها إما عن جهل أو عن قصد، لكن عموما سنركز في بحثنا هذا عن الشائع والمتعارف عليه بين الناس، ومما لا ضرر من تكراره، خاصة وأنه أخذ شكل العادات والتقاليد حيث استمرأها الناس وصارت مألوفة وعرفا متداولا بينهم، إلى أن فقدوا القدرة على التمييز بين العادات والعبادات، خاصة وأن أصل هذه العادات عبادات للشيطان وقربات له، مما يشكل استمرارها خطرًا حقيقيا على العقيدة، ويعد عائقا وحجر عثرة في طريق مسيرة الأمة، ولأنها سببا في حبس الرحمة المنزلة علينا وقطع المدد الرباني.
_______________________________________
([1]) انظر: [عندما ترعى الذئاب الغنم] ـ مصدر سابق. صفحة (2/112-114).
([2]) (الخادم؛ سعد [الفن الشعبي والمعتقدات السحرية] الألف كتاب الأول (488)، (مكتبة النهضة المصرية _ القاهرة). صفحة (32).
([3]) ) أنور الجندى/ موسوعة مقدمات العلوم والمناهج ـ مصدر سابق. صفحة (7/ 118).
([4]) انظر: [تيسير الكريم الرحمن] ـ مصدر سابق. صفحة (258).
([5]) انظر: ـ المصدر السابق. صفحة (406).
([6]) انظر: ـ المصدر السابق. صفحة (406).
([7]) انظر: ـ المصدر السابق. صفحة (258).