36524_800055500

الأسحار التنفسية

الكاتب: بهاء الدين شلبي.

     تسيطر الشياطين على الجهاز التنفسي، بواسطة أسحار خاصة به، فيؤثرون من خلاله في كل وظائف جسم الإنسان، فلو أننا درسنا الجهاز التنفسي في حدود ما توصلنا إليهم من علم، لأدركنا على الفور كيفية تحكم الشيطان فيه، وهذا الإطار الضيق من المعلومات، مجرد صورة شفافة، تلمح إلى ما يمكن أن يفعله الشيطان بهذا الجسنةهاز الحيوي، من خلال ما نجهله عنه من معلومات. فالشيطان يعمل في جسم الإنسان وفق ما انتهى إليه علمهم كجن، وليس وفق منتهى علمنا نحن كبشر، فكما أن خلق الجن سابق على خلق البشر، لقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) [الحجر: 26، 27]. فكذلك علم الجن سابق لعلم البشر ومتقدم عليه بمراحل كبيرة جدا، سواء من حيث العلم بالتكوين البشري، أو التكوين الروحي.

     وبكل تأكيد تم فصل الطب الروحي عن الطب البشري، فصار الطب البشري قاصرا، لدرجة أدت إلى عجز الأطباء، وإخفاقهم في علاج كثير من الأمراض المزدوجة، وهي الأمراض الروح بشرية. ولا يزال لديهم اعتقاد كبير أنها أمراض بشرية بحته، منها على سبيل المثال؛ الإصابات الفيروسية، والسرطانية، التي تقضي على حياة الإنسان، فتفارق الروح الجسد وتنفصل عنه. فروح الإنسان، وقدرته على التفكير، وحالته النفسية يتأثرون بمدى صلاحية جسده المادي. لذلك يقوم سحرة الجن بابتكار وتطوير أسحار خاصة بالجهاز التنفسي، وهو جهاز حيوي، مسؤول عن حياة الإنسان، وكفاءة أداء جسده، والروح تتأثر به تأثرا كبيرا جدا، بدليل أن الإنسان إن حرم التنفس تدهورت حالته النفسيه وعجز عن التفكير وقد يفقد وعيه، وإن انقطع عنه التنفس تماما، انفصلت روحه عن جسده ومات.

    فالأسحار التنفسية هي من أهم وأخطر الأسحار، لارتباطها بجهاز حيوي منعلق بحياة الإنسان، وتأثيرها خفي لا يدرك بسهولة، فلا يمكن الربط بين دور الأسحار في وظيفة الجهاز التنفسي، وببن آثارها المترتبة عليه، والتي تظهر في معاناة المريض، وبالتالي فعادة لا يلتفت إليه. الوسوسة هي مجرد عرض من أعراض السحر، وضيق الصدر هو كذلك عرض مقترن عادة بالوسوسة، وكلاهما عرضين من أعراض الأسحار التنفسية. ولكن الأطباء النفسيين فصلوا بين الوسوسة والأمراض العضوية، بينما القرآن الكريم جمع بين الوسوسة والصدر، وإن كانت الوسوسة أفكارا، فهي تواصل عقلي، أي أنها تصدر من عاقل؛ وهو الشيطان، إلى عاقل؛ وهو الإنسان، لكن الأطباء لا يقرون بدور الكائن العاقل الآخر، وهو الشيطان، وكأنه مجرد حوار ذاتي، قال تعالى: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ) [الناس: 4؛ 6]. قال تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) [الأنعام: 125].

     توافق السحر مع السنن الكونية: قد يتميز الجن بقدرات تفوق قدرات البشر، لكن ما يجب التأكيد عليه؛ أن تطبيق السحر لا يعتمد بشكل كامل على خصائص قدرات الجن، وإنما يسير السحر وفق السنن الكونية، ولأن كثيرا منها مجهول لنا، معلوم للجن، فلا يمكن أن يخطر ببالنا أن الشياطين تعمل وفقا لهذه السنن المغيبة عنا. لهذا السبب يظن الجاهل بثوابت دينه، أن السحرخارق للعادات، ولهذا عادة ما يخدع الدجالون عوام الناس بما يشبه الكرامات، وما هي إلا ممارسات سحرية، فالسحر يقدم في صورة كرامات، وهذا معروف ومشاهد لدى الطوائف الصوفية، والفرق الإسلامية، وغير الإسلامية من الملل الأخرى.

    وفي المقابل ظهر نوع جديد من الدجل؛ حيث يقدم السحر باسم العلم، فكثير من الاختراعات المعاصرة التي أبهرتنا، تم انتقال أسرارها العلمية من عالم الجن إلى عالم البشر، وما هي في حقيقة الأمر؛ إلا مخترعات شيطانية، كما أنها تحمل جانبا إيجابيا نفعيا، فإن لها جوانب سلبية ضارة، وقد يفوق ضررها نفعها، ولكننا مغيبين، فلا زلنا نجهل هذه الحقيقة. تكتشف هذه المخترعات عن طريق ممارسة هؤلاء العلماء للسحر، واتصالهم المباشر بالشياطين، ويتم هذا في الوقت الحالي تحت إشراف مؤسسات حكومية رسمية، وبشكل شبه سري، بعد أن كان معلنا في منتصف القرن الماضي. فبكل أسف؛ أننا نعيش اليوم أكبر خدعة عالمية مرت بها البشرية، فيقدم لنا السحر على أنه تقنيات علمية مبهرة، ولكن المنافع المبهرة منه، والضرورات الملحة، كل هذا يجعلنا نغض الطرف عن أن كل هذه المخترعات من ابتكار عتاة السحرة في العالم، تغرنا هيأتهم الحسنة البهية، وحصولهم على جوائز عالمية مشبوهة باسم السلام.

    لم تعد صورة الساحر قاصرة على ما تقدمه الأساطير، والموروث الشعبي، وما يطرحه الخيال السينمائي، من صور ساذجة للسحرة، تتسم بالقبح، والخسة، والدونية، بل إن صفوة السحرة المعاصرين؛ هم من العلماء، والمبدعين، والساسة، وأصحاب السلطة، من القادرين على توجيه عقول البشر لتحقيق مخططات الشيطان، في اتجاه التمهيد للخروج الأكبر للمسيح للدجال. وإدانة كبار الشخصيات الشهيرة بممارسة السحر، ثابتة بما لا يدع مجالا للشك، في اتصالهم بشياطين الجن، واتباع أوامرهم، فهم رسل ابليس في عالمنا، وهو مضطر أن يحسن اختيار مرسليه.

    بدون شك؛ إن كان لخصائص قدرات الجن دور لا ينكر في تنفيذ السحر، إلا أنها ليست بالتي تخرق العادات، ولا تستبدل السنن الكونية، بحسب المفهوم السائد، فقدراتهم تنتهي عند حدود سنن كونية خاصة بهم، ولا يملكون تجاوز السنن الكونية التي نخضع لها كبشر. فهم يعملون وفق النظام الذي يعمل عليه الجسم البشري، فيفسدون أداءه بما لديهم من علم يخفى عنا، فيصاب الإنسان بالعلل والأمراض التي لا يعلم لها سبب في حدود منتهى علم البشر بخصائص أجسامهم.

     من ثوابت عقيدتنا الإسلامية؛ أنه لا يغير العادات، ولا يبدل السنن الكونية إلا الله تبارك وتعالى فقط لا غير، لقوله تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 62]، وقوله: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) [فاطر: 43]، ولا يبدل الله عز وجل سننه، إلا أن تكون آية منه للناس، فجرت سنة الله أن الإنسان لا يحيي الموتى، وأن الموتى لا يبعثون إلا يوم القيامة، لكن الله تعالى خرق هذه العادة للمسيح عليه السلام، فكان يحيي الموتى بإذن الله، وهذا ما أكده المسيح عليه السلام في قوله تعالى: (وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ) [آل عمران: 49].

    والحقيقة؛ أن السحر علم مكتسب، يدرس ويتعلم، يتلقاه سحرة الإنس عن سحرة شياطين الجن، وهذا ما أثبته الله تعالى فقال: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة: 102]. جزء من هذا العلم مجرد إجراءات تقنية، من تراكيب تتكون من مواد وعناصر مختلفة، وكتابة أمر التكليف، وإطلاق البخور، وغير ذلك الكثير من أمور لا حصر لها، والجزء الآخر طقوس تعبدية يؤديها الساحر الإنسي لمعبوده من شياطين الجن، وتختلف صورة عبادة الشياطين، بحسب رؤية كل واحد منهم، وتتلخص العبادة في الانقياد للشيطان وطاعته، والجزء الغيبي والأهم منه يعتبر تطبيقات عملية ينفذها شياطين الجن، فبواسطتهم يتحول أمر التكليف إلى واقع ملموس، ومعاناة يتكبدها المسحور له.

    تثبت النصوص أن الدجال سينشر فتنته بانقياد شياطين الجن لأمره، فيتمثلون للناس في صور الموتى لخداعهم، فمن السنن الكونية اختصاص الله تعالى الجن بالقدرة على التمثل في صورة كثير من المخلوقات، لكن أكثر الناس لا يعلمون هذا، بل كثير منهم ينكرون إمكان حدوثه، وستزداد قناعتهم بربوبيته إن رأوه عملاقا طوله ستون ذراعا. لكن بكل تأكيد؛ من يعلم بهذه السنن الكونية، سيجد تفسيرا لما يظنه الجاهل إحياءا للموتى، وهذا قريب الشبه من تجسد الشياطين في غرف تحضير الأرواح، وما هو إلا تحضير للشياطين، فتتمثل للبشر في صور طيفية شفافة، وهذا مسجل بالصور. حيث يقصد بكلمة الروح القرين الموكل بكل إنسان، وليست الروح التي بمفارقتها الجسد يموت الإنسان.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. وإنَّ من فتنتِه أن يقولَ للأعرابيِّ: أرأيتَ إن بَعَثْتُ لك أباك وأمَّك أَتَشْهَدُ أني ربُّك؟ فيقولُ: نعم، فيتمثلُ له شيطانانِ في صورةِ أبيه وأمِّه، فيقولانِ: يا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ، فإنه ربُّك. وإنَّ من فتنتِه أن يُسَلَّطَ على نفسٍ واحدةٍ فيَقْتُلُها، يَنْشُرُها بالمِنْشارِ حتى تُلْقَى شِقَّيْنِ، ثم يقولُ: انظُرُوا إلى عَبْدِي هذا، فإني أَبْعَثُه ثم يَزْعُمُ أنَّ له ربًّا غيري. فيبعثُه اللهُ، ويقولُ له الخبيثُ: مَن ربُّك؟ فيقولُ: رَبِّيَ اللهُ، وأنت عَدُوُّ اللهِ، أنت الدَّجَّالُ، واللهِ ما كنتُ قَطُّ أَشَدُّ بصيرةً بك مِنِّي اليومَ ..). () فهذه النفس التي سيقتلها الدجال، سيزعم أنه سيبعثه من الموت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد على كذب الدجال فيقول: (فيبعثُه اللهُ) وهذه آية من الله عز وجل خرق بها العادات، تثبيتا لهذا الرجل الذي سيقتله الدجال، وهذا من كيد الله تبارك وتعالى بالمنافقين، فيصدقون أن الدجال ربهم فيتبعونه، رغم أن الرجل بعد بعثه لن يشهد للدجال بالربوبية (فيقولُ: رَبِّيَ اللهُ، وأنت عَدُوُّ اللهِ، أنت الدَّجَّالُ، واللهِ ما كنتُ قَطُّ أَشَدُّ بصيرةً بك مِنِّي اليومَ). فليس في النص ما يثبت أنها آيات يجريها الله على يد الدجال، ولا هي من فعل الدجال، فالدجال لا يملك قدرات خارقة، لكنه بكل تأكيد يعلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلم منه بهذه النبوءة، لذلك سيستغل غفلة الناس عن السنة، ويدعي لأتباعه أنه سيبعثه، وسوف يصدقونه رغم وضوح كذبه.

     فخدام السحر من شياطين الجن، يستفيدون من خصائص خلقتهم، وقدراتهم الفائقة في تنفيذ الأوامر، والمهام المكلفين بها، منها ما هم مكلفين به من قبل سحرة الإنس، ومنها ما هم مكلفين به من قبل سحرة الجن للتسلط على جسم الإنسان، وهذا هو ما يعرف بالمس. فلا يشترط كون فلانا مسحورا له أن تظهر عليه أعراض المس، فقد يكون مسحورا له، ولكن بدون مس جسده بأي أذى، كأن يسلط السحر على ماله، أو علاقاته الخاصة والعامة، فيجد كل ما يحيط به يعكر عليه صفو حياته، ولكن لا يوجد أعراض جسدية تبدو عليه، فهذا مسحور له ولكنه غير مصاب بالمس، فقد يكون سحر له من قبل الإنس، أو من قبل الجن، أومن قبلهما معا.

     لكن في الواقع؛ لا يستطيع الجن استخدام خصائص قدراتهم في السحر بشكل كامل، بل يتدخلون فيه بقدر محدود من قدراتهم، بما لا يسمح للبشر إدراك دور الشياطين في تنفيذ السحر، وإلا لأدركوا سبب ما يتعرضون له من متاعب، ولا يجدون لها تفسيرا مقبولا، ليسحقوا بين حجري رحى معاناتهم وجهلهم. لذلك فدور المعالج هو العلم، بالإلمام بحقيقة هذه الأمور، ورفع المعاناة عن الناس بالأخذ بالأسباب الكونية والشرعية، فالعلاج الشرعي ما هو إلا سنن كونية شرعية، نرد بها سنن كونية كفرية، فيتم الشفاء بإذن الله تعالى، قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251]. فالله عز وجل يبتلينا ببعضنا البعض، ليرى كلا منا عمله، وما يستحقه من جزاء، قال تعالى: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 140؛ 142]

    الكفتان بيننا وبين السحرة متعادلتان، فنحن نستخدم سنن كونية، نصد بها سنن كونية أخرى يعملون وفقا لها، لذلك ينفذ الشياطين السحر وفق السنن الكونية، فلا يستطيعون تجاوزها، ولا يخرجون عن إطارها. فسحرة فرعون لم يكونوا من صغار السحرة، لقوله تعالى: (وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) [الشعراء: 36، 37]، ولكن بسعة علمهم بالسحر؛ أدركوا حقيقة الآية التي جاء بها موسى عليه السلام، فلما علموا أنها كسرت كل السنن الكونية آمنوا، بينما لم يرد ذكر أن الناس آمنوا، إلا قليلا منهم، لأن غالبيتهم يجهلون الفارق بين السحر والمعجزة، خاصة وأنهم اجتمعوا بنية اتباع السحرة، وليس اتباع الحق، كما قال تعالى: (لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) [الشعراء: 40]. إذن فالسحرة يدركون أن تنفيذ السحر يسير وفق السنن الكونية، التي يسير بها كل شيء، وأن السحر لا يأتي بمعجزات تخرق العادات، ولكن الجاهل بعلوم السحر وفنونه يحسب كل مجهول له سحرا.

     نخلص من هذا أن شياطين الجن وسحرتهم يعملون وفقا لخصائص قدراتهم لتفعيل هذه السنن الكونية، فيتحكمون في وظائف الجسم البشري، فيصيبونه بالعلل والأعراض المختلفة، لا سيما وأن الجن مطلعون علينا، لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما صوَّرَ اللهُ تعالى آدمَ في الجنةِ تركَهُ ما شاء اللهُ أن يتركَهُ، فجعل إبليسُ يُطيفُ به، ينظرُ إليه، فلما رآه أجوفَ، عرفَ أنه خلْقٌ لا يَتَمالَكُ). () ويعلمون الكثير مما نجهله نحن البشر عن خصائص أجسامنا، رغم تقدم علمي التشريح ووظائف الأعضاء، ففي واقع الأمر؛ إن محصلة علم البشر تقف على حافة الحقيقة، ولا زلنا نجهل الكثير عن الجسم البشري مما سبقنا إليه الجن، ولولا سعة علمهم لما تمكنوا من السيطرة على أجسامنا والتحكم فيها، في حين يقر الأطباء بسلامة وظائف جسم المريض، ويضعون تفسيراتهم لستر جهلهم وتصنع العلم والإحاطة بكل الأمور.

    السحر أسس على السرية والتخفي: يعتمد السحر على قاعدة أساسية؛ وهي التخفي، والتستر، والكتمان، فإن سقطت هذه القاعدة وأبطلت؛ سيكتشف كل مسحور حقيقة دور الشيطان في إصابته، مما سيسهم في تأجيج جذوة الصراع، وتصعيد المواجهة مع الشيطان، وبذلك يسير السحر قدما في اتجاه الإبطال. لذلك يمتن الله على المسحور بالكشف السمعي والبصري، سواء كان يقظة أم مناما، ليكشف له تسلط الشيطان، وحصيلة هذا الكشف يحللها المعالج، ويضع خطته العلاجية وفقا لها، لتبدأ حربه المشروعة ضد الشيطان، ورغم هذا يبقى الشيطان حريصا على بقاء دوره خفيا، خاصة عن المعالج، ليبقى الإنسان مستغفلا لما يحاك ضده من خفاء.

    وهذه الحقيقة نبهنا الله تعالى إليها في قوله: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27]. فإن كنا لا نرى الشيطان، فإنه يرانا من حيث لا نراه، ويعمل ضدنا من خفاء، لقوله تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ)، وإن ظن الشيطان بكبره أنه غالب بكيده، فالله تبارك وتعالى غالب على أمره كما قال: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21]. فيهتك الله عز وجل ستر الشيطان، من خلال الكشف السمعي والبصري للمريض، لكن أحيانا كثيرة يستغل الشيطان (سحر التخييل)، فيصور للمريض أباطيل مضللة، ليتلاعب به من خلال كشوفات مزيفة، وهنا تأتي خبرة المعالج، لكشف هذا التلاعب، وتمييز الحق فيه من الباطل.

    جرت عادة الناس؛ نسبة كل ما يعجز عن الإتيان به إلى السحر، وإلحاق ما لا يجد له تفسيرا فيما لديه من علوم ومعارف إنسانية إلى الخرافة والخزعبلات، وهذه كانت ولا زالت معضلة يواجهها البشر أمام ما نجهله من السنن الكونية، والإرادة الإلهية، قال تعالى: (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) [القمر: 2]. لك أن تتصور ردود فعل التجمعات القبلية البدائية داخل الغابات ومجاهل إفريقيا، تجاه ما توصلت إليه الحضارة البشرية المعاصرة من مخترعات، ستجدهم يهابونها ويفزعون منها، وسيعتقدون على الفور أنها سحرا، أو أن بداخلها شياطين تحركها، رغم أنها مخترعات خاضعة للسنن الكونية التي توصل إليها الإنسان، فما هو في نظر العالم سنن كونية، فإنه في نظر الجاهل سحر.

Aiken

هوارد أيكن هاثاواي

    نحن الآن نتعامل مع الحاسوب؛ وقد أتم هوارد أيكن هاثاواي Howard Hathaway Aiken اختراعه سنة 1944، لكننا بكل تأكيد لا ندري كمستخدمين السنن التي يعمل وفقا لها هذا الجهاز الضئيل في حجمه، الواسع في إمكانياته التي تتطور كل يوم، فندخل من خلاله إلى شبكة المعلومات، فنتبادل كتابات وصور، وتسجيلات صوتية ومرئية، ونتواصل مع الآخرين من جميع أنحاء العالم. لكننا على علم أن الذي اخترع هذا الجهاز إنسان، ويتناقل سر هذا الاختراع من جيل إلى جيل نخبة من المتخصصين، وهذا ما يطمئنا أن هذا الاختراع يعمل وفقا لسنن كونية، ولولا أن هذا الاختراع يتم تداوله وتطويره من خلال مؤسسات تروج له، لكنا بكل تأكيد ظننا به الظنون، وقلنا عنه أنه سحر. فنحن قد نتقن استخدام هذه الأجهزة، وتصنيعها وإصلاحها إن أصابها عطب، ولكننا في حقيقة الأمر؛ نجهل تماما كيفية عملها، فيما عدا إلمام البعض بشيء من الجانب النظري، إلا أن غالبية من يتعاملون مع الحواسيب، عاجزون عن فهم كلا من الجانب النظري والعملي معا، فمنافعهم منه يجعلهم يغضون الطرف عن الجانب المجهول عنه، وبنفس المبدأ تماما؛ فمن يتعامل بالسحر ينظر إلى منافعه منه، ويغض النظر عن حقيقته.

     فكيف بنا الحال إن علمنا؛ أن كل هذه الأجهزة والمخترعات الحديثة ما هي إلا وحي من ابتكار الشيطان، أوحى بها إلى أولياءه من سحرة الإنس، ليسيطر من خلالها على حياة البشر، ويفسد فطرتهم، ويتحكم فيهم، في عداوة صريحة منهم للأنبياء، وما نزل عليهم من وحي وكتاب، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام: 112]. لست عدوا للعلم والمعرفة، ولكن بمراجعة أبحاثي بينت بالأدلة كيفية توصل (اتحاد القوى العالمية العظمى)، ممثلا حاليا فيما يعرف باسم (الأمم المتحدة)، إلى ابتكار التقنيات الحديثة من خلال تجنيد السحرة في مختبراتهم الخاصة، ووضحت الأهداف الشيطانية من وراء كل هذا. ففي المقابل يوجد علوم محرمة، وتقنيات مجانية للطاقة Free energy، تم منعها وقمعها فيما اصطلح عليه قمع الطاقة المجانية Free energy suppression، وهذا لصالح المنتفعين من بقاء النظام السائد حاليا، في حين سمح فقط للتقنيات المعاصرة والطاقة الباهظة التكاليف أن تسود في العالم.

     كذلك نظرتنا قاصرة كجهلاء بالعلوم الجنية، إلى السحر وفنونه، فالبعض يراها موهبة إلهية، وما هي إلا ضلالة شيطانية، وآخرين يراها قدرات ذاتية كامنة في الإنسان، وطاقة روحية، أو عقلية داخلية يكتشفها ويخضعها تحت تصرفه، إلى آخر ما هنالك من مفاهيم مبتكرة تخرج علينا بوجهها القبيح كل يوم، فحتى هذه اللحظة لم يتمكن أي عالم أن يضع تعريفا جامعا مانعا للسحر، إنما مجرد تعريفات لغوية تحدد دلالة اللفظ، ولا تبين لنا معناه. أنا لست عالما بالسحر، ولكن بحسب تجربتي الغاية في التواضع كمعالج، ومطلع عن قرب على هذا العالم، وملم بطبيعته، ومتتبع لأحوال السحرة والشياطين، أستطيع القول في ضوء عقيدتي كمسلم، ألزم نفسي باتباع منهاج النبوة، بأن السحر خاضع للسنن الكونية، ككل الاكتشافات العلمية حولنا، لكننا بجهلنا بهذه السنن، نحاول أن نرضي عقولنا الخاملة بتفسيرات بالية، لا علاقة لها بالواقع على وجه الإطلاق، فلم نبلغ بعد طور النضج العلمي، لذلك نفتقر إلى الإلمام بحقيقة الكثير من السنن الكونية، التي سبقنا الجن إلى معرفتها، ويعمل شياطينهم من خلالها لتطويعها في صناعة السحر، والتحكم في أجسادنا وحياتنا، تماما كما تتحكم التقنيات المعاصرة في أجسادنا، وعقولنا، ومجريات الأحداث، وهذا كله لم يكن ليتم إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى.

     وبناءا على ما تقدم؛ فكلما انكتشفت لنا آلية سحر ما من الأسحار، تقادمت وصارت عديمة الجدوى بالنسبة لسحرة الجن، لأن كيد الشيطان صار مكشوفا للبشر، وبذلك يفقد السحر عنصر السرية، ويصير ضعيفا، غير ذي أهمية. لذلك فإن آلية الأسحار تتطور جيلا بعد جيل، وهذا يترتب عليه تطوير آلية العلاج التي يتبعها المعالج الشرعي، مما يستلزم أن يتعمق المعالج في البحث العلمي، والدراسة العلمية المستفيضة، يوما بعد يوم، وإلا فإن انشغل بالعلاج عن تنمية رصيده العلمي وتطوير نفسه، فسوف يصل إلى مرحلة ينفضح فيها جهله، ويظهر عجزه عن التواصل مع مستجدات علوم السحر وكيد السحرة.

     المس والسيطرة على الجسد: إذا كان السحر يسير وفق السنن الكونية، فإنه في حالة الإصابة بالمس، يسيطر الشيطان على وظيفة العضو المستهدف بالسحر من جسم المريض، وبالتالي يتحكم في آداء أجهزة جسده، إذن فالشيطان يعمل داخل جسم الإنسان وفق منظومة أجهزته العضوية، وعليه فأي مؤثر خارجي يغير من منظومة عمل الجسم، فإنه يفسد على الشيطان عمله، لكن هذا المؤثر لا يبطل السحر، والأمر المكلف به الخادم. وعلى هذا؛ لا يقف دور الاستنشاق عند حد إدراك الروائح، والتمييز بينها، وإنما يتجاوز هذه الوظيفة، ليشمل إدخال ما تحمله الزيوت الطيارة من عناصر تؤثر في الوظائف العضوية لجسم الإنسان، مما يفسد على الشيطان عمله، ويرفع عن كاهل المريض بعض المعاناة.

     لكن يبقى السحر نافذا وبحاجة لإبطال، وطالما لم يبطل سيظل الشيطان أسيرا لخدمة السحر، فإن بطل السحر تحرر الخادم من القيود التي تكبله، وبهذا يخرج من تحت سيطرة الساحر، ليتمكن عمار البيت من القبض عليه، واسترداد أسراهم من داخل جسم المريض. أما الساحر فالقضاء عليه ليس بالهين ولا بالمستحيل، ففي حالة بطلان السحر قد ينسحب أو يهرب، لكن لا يستسلم بسهولة لعمار البيت، وفي حالة أن يكون السحر من الجن، فقد يكرر محاولات غزو المريض لاحقا، هذا في حالة إن سنحت له الفرصة لذلك. ومخاطر عودة هذا الساحر، يلزمها اتباع إجراءات علاجية خاصة خلال (فترة النقاهة)، فتنجح إما في كشف مخلفاته السحرية داخل الجسم، وفضح مخططاته، وبالتالي استئناف المعركة ضده، أو في وصد الجسد أمامه تماما، فلا يعاود الكرة مرة أخرى، إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى.

     يجب أن نفرق بين طريقة تنفيذ السحر التي يعمل الشياطين وفقها للإضرار بالإنسان، وبين نظام إدارة السحر، الذي يعتمد على مجموعة من الشياطين تقوم بإدارته منهم الساحر، والخدام، والحراس، والأعوان، والجيوش، والأسرى من الجن المسلم والشياطين وغيرهم، فتوجيهات المعالج قد تغير من طريقة عمل الشياطين، فتختفي بعض الأعراض، لكن هذا الاختفاء عادة ما يكون مؤقتا، وقابلة للظهور مرة أخرى. فربما تظهر نفس الأعراض أقل قوة، وأضعف تأثيرا من ذي قبل، أو تظهر في صورة جديدة مختلفة تماما، هذا إن أتيحت الفرصة للقيام بذلك. لكن فترة اختفاء الأعراض تمنح المريض شيئا من الراحة، والتقاط الأنفاس، واكتساب بصيص من الأمل، وفي نفس الوقت؛ تسمح للمعالج بتجاوز بعض العقبات، والتخلص من العراقيل، وإفساح الطريق للقيام بمهام أخرى معطلة، في طريق إبطال السحر.

    فبدون دراسة (علم وظائف الأعضاء Physiology) لن يتمكن المعالج من معرفة دور الشيطان ووظيفته داخل الجسم، وبالتالي لن يحسن توصيف الطريقة العلاجية المناسبة، وإلا فهو مجرد (راق) وظيفته الدعاء فقط، ربما يعتمد على توصيف بعض المجربات التي سمع عنها، فلا يحسن التشخيص وتوصيف العلاجات المناسبة، ولا يملك مهارة مراوغة الشياطين، وهذا لا يعتبر طبيبا روحيا، ولا معالجا شرعيا. حالة الإفلاس، وقلة الحيلة التي قد تصيب المعالج؛ دائما ما تحول بينه وبين تطوير أساليبه العلاجية، في حين أن الشيطان يغير من اسلوبه الهجومي في كل لحظة، ويطور من آدائه أولا بأول، وتلك المراوغة تجعل الراقي يقف في حيرة من أمره، حقيقة أن حربته الدعاء والرقية، لكنه يرمي كمن هو معصوب العينين، مهما سدد الرمي فمرة يصيب الهدف، ومرات يخطئه.

    على سبيل المثال؛ مع وجود شكوى متكررة من ضيق التنفس، بشكل تتفق أعراضه تقريبا مع أعراض مرض الربو Asthma، عادة يقوم الطبيب البشري بوصف بخاخ الربو Inhaler للمريض، ولكن النتائج لن تكون مرضية في حالة كون المريض مصابا بمرض روحي، ففي مثل هذه الحالة؛ نجح استنشاق المسك المرقي في وقف تلك الأعراض، أو الحد منها، وهذا في كثير من الحالات، لكن لم يقطعها بالكلية، لأن السحر المتسبب فيها لم يبطل باستنشاق المسك، بينما لم تحقق تلك الطريقة أي نتائج مرضية في حالات أخرى، لأسباب تشخيصية مختلفة. فمن الخطأ استخدام زيت ما لمجرد نجاحه مع أي مريض، فليس بالضرورة أن يحقق نفس التأثير في مريض آخر، بل نفس المريض الذي نجح معه هذا الزيت في مرحلة علاجية معينة، قد لا يجدي استخدامه في مرحلة علاجية أخرى، فكل مرحلة لها خصائصها، ومتطلباتها العلاجية.

     الأسحار التنفسية: يمكن أن يتأثر المريض من خلال حاسة الشم، فالاستنشاق مرتبط بعملية الشم، وهذا معناه أهمية وظيفة الجهاز التنفسي، فقد يسحر له أسحارا تنفسية، سواءا تعمل داخل مجرى التنفس، أم في جميع أعضاء الجهاز التنفسي، وهذا على غرار السحر المأكول أو المشروب، الذي يعمل داخل الجهاز الهضمي، وإن كان يحتل مساحة كبيرة من اهتمام المعالجين، لسهولة اكتشافه من خلال بعض الأعراض، مثل تكرار الشعور بالغثيان، إلا أن الأسحار التنفسية لا تلقى هذا الاهتمام، رغم خطورتها وقوة تأثيرها في المريض، وهذا بسبب صعوبة اكتشاف أعراضها، في مقابل ندرة الإلمام بهذا النوع من الأسحار.

     فالمقصود بالأسحار التنفسية هي كل الأسحار المتعلقة بالجهاز التنفسي ووظائفه العضوية، من شهيق وزفير وشم، وغير ذلك من وظائف مختلفة، وتأثيرها في جسم المريض وسلامته، وهذا ما سوف نشرحه مفصلا في موضعه، بإذن الله تعالى. ولا يقف تناولنا لهذا النوع من السحر على البشر فقط، بل تسحر الجن لبعضها البعض، فتسحر الشياطين للجن المسلم، وتأسرهم عن طريق هذا النوع من السحر، كما أنهم يسيطرون به على الخدام والأعوان العاملين مكرهين داخل جسم المريض، لذلك ينقسم تأثير علاج الجهاز التفسي إلى تأثير في المريض، وتأثير في الشياطين.

    إن الأسحار التنفسية لا يقوم بها سحرة الإنس فقط، بل هناك ما يقوم به سحرة الجن، سنأخذ نموذج على هذا من السنة الشريفة؛ فالشيطان يبيت على الخيشوم، وهو جزء من الجهاز التنفسي، يقع في أعلى الأنف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقَظَ أحدُكُم من مَنامِهِ فتوضَّأَ فليستنثِرْ ثلاثَ مرَّاتٍ؛ فإنَّ الشَّيطانَ يبيتُ على خَيشومِهِ). () والشيطان لن يبيت خاملا في الخيشوم، وإنما يستفيد من وجوده في هذا الموضع، بعمل أسحار مختلفة. ومن أهم الأسحار التي يمارسها الشيطان في مجرى التنفس، هو (سحر الوسوسة)، قال تعالى: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) [الناس: 3، 4]، فمحل الوسوسة في الصدر تحديدا، ومعالجة الصدر من علاجات الوسوسة.

    فعن عثمان بن أبي العاص قال: لمَّا استعمَلني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ على الطَّائفِ، جعلَ يعرضُ لي شيءٌ في صلاتي، حتَّى ما أدري ما أُصلِّي. فلمَّا رأيتُ ذلِكَ؛ رحلتُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال: (ابنَ أبي العاصِ؟!). قلت: نعَم يا رسولَ اللَّهِ. قال: (ما جاءَ بِك؟) قلت: يا رسولَ اللَّهِ، عرضَ لي شيءٌ في صلواتي، حتَّى ما أدري ما أصلِّي. قال: (ذاكَ الشَّيطانُ ادنُه) فدنوتُ منْهُ، فجلستُ على صدورِ قدميَّ، قال: فضربَ صدري بيدِهِ، وتفلَ في فَمي وقال: (اخرُجْ عدوَّ اللَّهِ) ففعلَ ذلِكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ قال: (الحق بعَملِكَ) قال: فقالَ عُثمان: فلعمري ما أحسَبُهُ خالطني بعدُ. () والذي أصاب عثمان كان سحر وسوسة، بدليل قوله “جعلَ يعرضُ لي شيءٌ في صلاتي، حتَّى ما أدري ما أُصلِّي”، فهو موسوس لا يدري ما يصلي، ولأن الوسوسة محلها الصدر، فضرب النبي عليه الصلاة والسلام صدره بيده الشريفة، ليس هذا فحسب، بل وتفل في فمه، وكلا الأمرين الضرب على الصدر والتفل في الفم متعلقان بالصدر ومجرى التنفس. لذلك تعتمد الشياطين بدرجة كبيرة على الأسحار التنفسية داخل الجسد، من أجل إخضاع الخدام والأسرى بالغازات، وهذه الأسحار تنتج عن التفاعلات الكيميائة داخل جسم المريض.

     يجب أن نفرق بين عملية (الاستنشاق Inhalation)، ويعرف كذلك باسم (الشهيق Inspiration)، وهو حركة تدفق الهواء من البيئة الخارجية، من خلال الشعب الهوائية، وصولا إلى الأسناخ Alveoli، أو ما يطلق عليها الحويصلات الهوائية، وهذا من وظائف الجهاز التنفسي. وبين عملية (الشم Olfactory)، وهي حاسة وظيفتها إدراك الروائح، والتمييز بينها، وهذا من وظائف المخ والعقل. وكلا العمليتين لهما تأثيرات علاجية غاية في الأهمية، فالاستنشاق له تأثيره في الدم ومركبات الجسم العضوية الداخلية، فمن الممكن تعديل وظائف الجسم وضبطها، بينما الرائحة لها تأثيرها في الحالة النفسية والمزاجية للإنسان، فمن الممكن التحكم في تصرفاته وردود أفعاله من خلال الروائح. وهذا التحكم يتم باستخدام الزيوت الأثيرية Ethereal oils، أو ما يعرف كذلك باسم الزيوت الطيارة Volatile oils، وباستخدام الزيوت الثابتة Fixed oils.

      يختلف تأثير العلاج بالزيوت العطرية، من حيث تأثير الزيوت الثابتة، أو الزيوت الطيارة، وما تحمله من رائحة، سواءا كان في مخ الإنسان ووظائفه العصبية، وعقله ووظائفه النفسية، أم في جسم الإنسان ووظائفه العضوية. فآلية عمل كلا منهما تختلف تماما عن آلية عمل الأخرى، وما يعنينا بالبحث هو استنشاق الزيوت الطيارة، وطريقة تأثيرها في الإنسان والشيطان من خلال حاسة الشم. لذلك أنصح المعالج قبل وضع الخطة العلاجية، تحديد أي نوع من الزيوت أنسب لعلاج المريض، الطيارة أم الثابتة، وأيهما تحقق الهدف المطلوب إنجازه. وكذلك يجب تحديد المستهدف بالعلاج، ومن سيقع عليه تأثير أحد نوعي الزيت، المريض، أو الشيطان، أم كلاهما، خاصة وأن كلاهما يتأثر باستخدام الزيوت، سواء تأثير مباشر يقع على الشيطان، أم غير مباشر، يتم من خلال ما تحدثه الزيوت من تغييرات في جسم الإنسان.

     بدون إدراك الفارق بين الاستنشاق والشم، ودراستهما دراسة علمية مستفيضة، سيقع المعالج الروحي ولابد، في التخبط وعشوائية العلاج، لأنه بالخلط بين الأمرين لن يحسن توظيف العلاج بالزيوت والروائح، وبالتالي ستفشل خطته العلاجية، لعدم خضوعها للضوابط العلاجية، ولبناءها على غير أسس علمية. فقبل توصيف أي زيت علاجيا، يجب الإلمام أولا، وبشكل كبير جدا، بآلية تأثير هذا الزيت، وفوائد عناصره المرجوة، وطريقة استخدامه المناسبة، وتحديد الأثر المطلوب تحقيقه، مع متابعة أحدث الدراسات العلمية والطبية للوصول إلى الجديد لتتقويم منهجه وتطويره.

     غالبا؛ يأتي العلاج العشوائي بنتائج عكسية، خلاف المطلوب تحقيقها، على سبيل المثال؛ فالإسراف في تعاطي الزيوت يضر بالمريض صحيا، خاصة إن كان مصابا بأمراض عضوية تتأثر سلبا بالدهون، كما لو كانت المرارة في جسم المريض ضعيفة، فينصح الأطباء باتباع نظام غذائي منخفض الدهون، حتى وإن كان المريض لا يشكو من أي أمراض عضوية، فإن طالت فترة تناول الزيت، وزادت كميته عن الحد المسموح به، فإن هذا يتسبب في ظهور أعراض جانبية عضوية، قد لا تنكشف على المدى القريب، وقد تتردى الحالة ويتأخر شفاؤها، ولا يدري المعالج غير المطلع، وضحل الخبرة، أن توجيهاته باستخدام الزيت، كان هو السبب في تردي الحالة الصحية للمريض.

   الاستنشاق هو جزء رئيس في عملية التنفس، وبالاستنشاق يدخل الهواء إلى الرئتين مصحوبا بالأسحار، ثم يعمل السحر داخل الجسد، وهذا ما يسمى (السحر المستننشق)، فقد يستخدم السحرة في هذا النوع من الأسحار غازات، أو دخان أو أبخرة، أو مساحيق وغبار. فهذه المدخلات؛ سواء كانت ذات رائحة، أم عديمة الرائحة، فإنها تكون مسحورة وتؤثر في الإنسان، فإن كانت ذات رائحة؛ فمن المحتمل إلى حد كبير أن تكون أسحارا مزدوجة، تضم (سحر مستنشق) يعمل في الرئتين، ومصحوبا بـ (سحر مشموم) يؤثر في المسحور له من خلال حاسة الشم، خاصة أن حاسة الشم والتنفس عمليتان مقترنتان ببعضهما البعض، فلا يمكن الفصل بينهما. فالهواء الذي يستنشقه الإنسان قد يكون ملوثا بالأسحار، فيستنشقها لا إراديا، وهذا اسلوب خفي لا يدركه المسحور له. وعادة ما يلجأ السحرة إلى استنشاق الأسحار، وهذا أمر طريف يجب أن أنبه إليه، وقد لا يلتفت إليه الكثيرين، فإن دخل الساحر إلى مكان فيه أسحار، فإنه يقوم باستنشاقها، كعملية أسر للأسحار ليزداد قوة، بل وقد يأسر بهذه الطريقة عمار البيت، وبدون أن يلتفت الحضور لما يقوم به من كيد.

     على عكس السحر المستنشق فهناك (السحر الزفيري) ويعتمد على النفث والنفخ، وذكر صراحة في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق: 4]، وفي لسان العرب: “النَّفْثُ: أَقلُّ من التَّفْل، لأَن التفل لا يكون إِلاَّ معه شيء من الريق؛ والنفثُ: شبيه بالنفخ؛ وقيل: هو التفل بعينه. نَفَثَ الرَّاقي .. “. () أي ومن شر الأنفس النفاثات في العقد، أي كل نفس تنفث في العقد، سواء كان ساحرا أم ساحرة، وهذا هو الأصوب عندي، فقد اقتصر البعض معنى (النَّفَّاثَاتِ) على الساحرات من النساء فقط، كما في لسان العرب: “هنّ السَّواحِرُ. والنَّوافِثُ: السواحر حين يَنْفُثْنَ في العُقَد بلا ريق. والنُّفاثَةُ، بالضم: ما تَنْفُثُه من فيك”. ()

     هذا نوع خطير من السحر يؤديه السحرة من خلال التنفس، لأن عملية التنفس كما سنشرح في موضعه تنقسم إلى (شهيق وزفير) والزفير هو النفس الخارج من الصدر، والسحرة ينفثون في العقد، أو على من يسحرون له، وغالبا دون أن ينتبه، سواء ينفثون على جسده مباشرة، أو حتى عن بعد، ففي كلا الحالتين يصل تأثير السحر بإذن الله تعالى. وأنا كمعالج أنفث بالرقية عن قرب، أو عن بعد، أو حتى عبر الهاتف، فيتأثر الشيطان بإذن الله تبارك وتعالى، ويشعر المريض بذلك التأثير وردود فعل الجني، فثبت لدي عمليا؛ أن بعد المسافة بين المعالج والمريض لا ينفي تأثير الرقية عن بعد، هذا وإن كانت الرقية عن قرب أفضل وأنجع، لكن ليس في كل الأحوال يمكن الاجتماع عن قرب بالمريض.

     وهذا لا يتعارض مع النفث عن قرب، فهو طريقة علاج شرعية، وموافق لما ثبت بالسنة الشريفة، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام ينفث بنفسه على جسده الشريف، لما ورد عن عائشة أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَنفِثُ علَى نَفسِهِ في مَرَضِهِ الذي قُبِضَ فيه بالمُعَوِّذاتِ، فلمَّا ثَقُلَ كنتُ أنا أنْفِثُ عليهِ بهنَّ، فأمسَحُ بيَدِ نَفسِهِ لبَرَكَتِها. فسألتُ ابنَ شِهابٍ: كيف كان يَنْفِثُ ؟ قال: “يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ”. () وفي حديث آخر ذكرت أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ إذا أوى إلى فراشِهِ كلَّ ليلةٍ جمعَ كفَّيْهِ ثمَّ نفثَ فيهما فقرأَ فيهما قل هوَ اللَّهُ أحدٌ، وقل أعوذُ بربِّ الفلقِ، وقل أعوذُ بربِّ النَّاسِ، ثمَّ يمسحُ بِهما ما استطاعَ من جسدِهِ، يبدأُ بِهما على رأسِهِ ووجْهِهِ، وما أقبلَ من جسدِهِ، يفعلُ ذلِكَ ثلاثَ مرَّاتٍ”. ()

     قد يستغل السحرة حاسة الشم في توصيل نوعية خاصة من الأسحار، وهي من نوع (السحر المشموم)، ويشترط في هذا النوع من السحر استخدام الروائح، ليصل تأثير السحر عن طريق حاسة الشم إلى المخ مباشرة، مما يؤثر في وظائفه، ويتم إما باستخدام روائح طيبة، كالبخور والعطور، أو باستخدام روائح كريهة، لذلك فهو سحر من السهل اكتشافه وإدراك وجوده، عن طريق حاسة الشم، خاصة إذا اقترن بأعراض مرضية. ففي بعض الحالات يتأثر المريض من روائح خاصة دون غيرها، أو يشم روائح خاصة لا وجود لها داخل المكان المتواجد فيه. ولسهولة اكتشاف هذا النوع من الأسحار فهو قليل الرواج، فلا يستخدم إلا في ظروف خاصة، بحيث يشمه الناس ولا يلتفت إلى أن هذه الروائح الطيبة سحر، فيمكن للساحر تدخين لفافة تبغ مسحورة فيسحر لمن في المكان دون أن يدري المستهدف بالسحر، أنه يشم رائحة مسحورة.

تابع الجزء التالي من البحث بعنوان

علاقة حاسة الشم بالتنفس

هذا البحث جزء من مجموعة أبحاث متصلة منفصلة بعنوان:

1_ الروائح وعلاقتها بالشياطين

2_ الشيطان والعلاقة الزوجية

3_ الفاحشة ودورها في تقوية الشياطين

4_ دور المعاصي في تقوية الشياطين ودعم السحر

5_ عبث الشياطين بأجساد البشر

6_ الأسحار التنفسية

7_ علاقة حاسة الشم بالتنفس

8_ دور السحر في الجهاز التنفسي

9_ حاسة الشم وتأثيرها في الجن

10_ علاج المس والسحر بالزيوت العطرية

11_ تأثير المسك في الشياطين

rain_bar

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *