والمسمى بتحضير الأرواح
الكاتب: بهاء الدين شلبي.
الاتصال بالقرائن:
وفيما يطلق عليه الاتصال الروحي Spiritual communication، سنجد أنهم يصفون حالة حضور الروح المزعومة بدقة متناهية جدًا، توضح عظيم الشبه بينها وبين ظهورات العذراء التي نحن بصدد توضيح كيفية حدوثها الآن، وهي أقرب ما تكون إلى إحدى ظواهر الاتصال العديدة، والتي لا بد من وجود وسيط أو (وسيطة) لكي تحدث مثل هذه الظاهرة.
والنصارى لا ينكرون إمكان حدوث اتصال بين أرواح الموتى وبين الأحياء، ولكنهم يرون أن استحضار الإنس للروح يتم عن طريق الشيطان، وعليه فما يحضر ليس هي روح المتوفى، ولكنها مجرد شياطين تتشكل في صورة الموتى، فلا يمكن أن يتصل الإنس بعالم الروح، لأن الروح ترجع بعد الموت إلى الله، وهذا ما يشرحه القمص مينا جرجس فيقول: (وكلمة روح مشتقة من ريح، فكلمة (ريح Yuah) في العبرية تترجم ريحًا أو روحًا أو نفسًا حسب النص، ولا يقف الارتباط بين الريح والروح عند حدود اللفظ، فالريح عند اليهود غالبًا ما كان يحمل معنى الطاقة الإلهية المعلنة في الطبيعة. ومكتوب (الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار) [عب 1: 7]. وتنقسم الأرواح إلى: أرواح موتى: وهي باقية بعد الموت ولا تفنى بفناء الأجساد، بل ترجع الروح بعد الموت إلى الله الذي أعطاها. وبعد انحلال الجسد تحيا الروح بعيدًا ..).( ) لكن لا مانع لديهم أن تتصل الروح بعالم الإنس لتجري المعجزات والخوارق، وهذا يتعارض مع عودة الروح إلى بارئها، وخروجًا عن سيطرته لتتصرف بمشيئتها في صنع الخوارق التي هي من أمر الله لا من أمر خلقه، فالقمص مينا جرجس يقول: (وأرواح الموتى تنقسم إلى: أرواح الأبرار تنطلق بعد الموت مباشرة إلى الفردوس مكان الراحة والانتظار إلى يوم مجيء الرب الأخير. ويمكن لأرواح الأبرار بعد انطلاقها وتحررها من الجسد أن تمارس أعمالاً في صالح البشر الساكنين على الأرض مثل المساعدة وأعمال المعجزات التي نسمع عنها مثل معجزات القديسين والبابا كيرلس، والشهدا مثل ((مارجرجس ومارمينا وغيرهم)). أما الأرواح الأشرار الذين عبثوا في حياتهم ومارسوا أنواعًا كثيرة من الشرور أدت إلى هلاك نفوسهم وصيرتهم تابعين لإبليس وجنوده في حياتهم وبعد مماتهم، هؤلاء يذهبون إلى الهاوية (مكان انتظار أيضًا) إلى مجيء يوم الرب الأخير ليسمعوا القضاء العادل والحكم النهائي عليهم (اذهبوا إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وجنوده). ( )
وإعطاء لكل ذي حق حقه، فالأمانة العلمية تحتم علي أن اذكر تعليق الدكتور رؤوف عبيد، والذي يؤكد أننا على الحق، فهو يستنكر إمكان الاتصال بالروح، وانه يتصل بالجسد الأثير والكون وهما خلاف الروح، وهذا الإقرار منه يشير إلى أنه يتعامل مع القرين وليس مع الروح، ولكن لعدم ورود ذكر القرين في كتبهم، فقد أطلقوا مسمى الروح على القرين، وهي اسم موجود في برديات وحفريات الفراعنة، باعتبارها حضارة تمثل جذور السحر في العالم، وعلى اتصال بعالم الجن وعلى دراية بخصائصهم وقدراتهم، وهذا
(فقال شاول لعبيده فتشوا لي عن امرأة صاحبة جان فأذهب إليها وأسألها. فقال له عبيده هوذا المرأة صاحبة جان في عين دور. فتنكر شاول ولبس ثيابًا أخرى وذهب هو ورجلان معه جاءوا إلى المرأة ليلاً، وقال اعرفي لي بالجان وأصعدي لي من أقول لك. فقالت المرأة هوذا أنت تعلم ما فعل شاول كيف قطع رأس الجان والتوابع من الأرض. فلماذا تضع شركًا لنفسي لتميتها. فحلف لها شاول بالرب قائلاً حي هو الرب إنه لا يلحقك إثم في هذا الأمر. فقالت المرأة من أصعد لك؟ فقال: أصعدي لي صموئيل، فلما رأت المرأة صموئيل صرخت بصوت عظيم وكلمت المرأة شاول قائلة لماذا خدعتني وأنت شاول؟ فقال لها الملك: لا تخافي ماذا رأيت؟ فقالت المرأة لشاول رأيت آلهة يصعدون من الأرض. فقال لها ما هي صورته. فقالت: رجل شيخ صاعد وهو مغطى بجبة. فعلم شاول أنه صموئيل فخر على وجهه إلى الأرض وسجد. فقال صموئيل لشاول: لماذا أقلقتني بإصعادك إياي؟ فقال شاول وقد ضاق في الأمر جدًا: الفلسطينيون يحاربونني والرب فارقني ولم يجبني لا بالأنبياء ولا بالأحلام فدعوتك لكي تعلمني ما أصنع. فقال صوئيل: ولماذا تسألني والرب قد فارقك وصار عدوك. وقد فعل الرب لنفسه كما تكلم عن يدي وقد شق الرب المملكة من يدك وأعطاها لقريبك داود لأنك لم تسمع لصوت الرب ولم تفعل حُمُوَّ غضبه في عماليق لذلك فعل الرب بك هذا الأمر اليوم.) [ناحوم 3، 4]. ويشرح ذلك النص يوسف رياض فيقول: (وأما أرواح المؤمنين فهي الآن مع المسيح في الفردوس موضع الراحة والعزاء، وغير مصرح طبعًا للوسطاء الأشرار أن يقلقوها بإحضارها مرة أخرى إلى عالم التعب. (إن داود لما مات ابنه الصغير قال (أنا ذاهب إليه وأما هو فلا يرجع إليه) [2 صمويل 12: 23])، إذًا فالذي يحضر إلى هذه الجلسات لا يمكن أن يكون سوى الديمونات التابعة للشيطان. ولهذه الديمونات، أي الأرواح الشريرة ، مقدرة على تقليد الأصوات، ولهذا فكما خدع المرأة قديمًا إذ تكلم إليها في الحية [تك 3]، هكذا تفعل الأرواح الشريرة التي تتكلم في هؤلاء الوسطاء.. وكراهية الرب لهذه الخطية واضحة في حادثة ذهاب شاول ملك إسرائيل إلى امرأة صاحبة جان لتحضر له روح صموئيل. لقد ختم شاول سجل خطاياه الكثيرة بهذه الخطية البشعة. مما جعل الرب يصدر عليه القضاء الريع إذ مات في اليوم التالي مباشرة [1صم 28]. ويقول الكتاب (فمات شاول بخيانته التي بها خان الرب من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه. وأيضا لأجل طلبه إلى الجان للسؤال. ولم يسأل من الرب فأماته) [1أخ 10: 13، 14]. وهنا يبرز سؤال هام: ألم تحضر العرافة روح صموئيل بالفعل؟ فكيف حدث هذا؟ وما دلالاته؟ وهل يمكن أن يتكرر هذا الأمر؟. نعم إن الذي أتى في تلك الحادثة بالذات هو روح صموئيل [1صم 28: 12، 14، 15..]، لكن هذا كان استثناء وخروجًا عن القاعدة. ويؤكد هذا أن العرافة صرخت عندما رأت روح صموئيل مع أن ذلك الغريب المتنكر كان قد طلب منها إصعاد روح صموئيل. وعندما بدأت المرأة اتصالها بالجان ليحضر، إذا بروح صموئيل فعلاً تظهر أمامها، وليس الروح الشرير (الجان) الذي اعتادت أن يحضر إليها في كل مرة. من ثم فهمت أن الرجل المتنكر أمامها لا يمكن أن يكون شخصًا آخر غير شاول الملك نفسه [1صم 28: 12]. أما لماذا أرسل الرب روح صموئيل إلى شاول، فإنما كان لإيقاع القضاء الإلهي عليه وهو متلبس بجريمته، كقول الرب (لأن كل إنسان من بيت إسرائيل.. إذا ارتد عني وأصعد أصنامه إلى قلبه ووضع معثرة إثمه تلقاء وجهه، ثم جاء إلى النبي ليسأله عني فإني أنا الرب أجيبه بنفسي. وأجعل وجهي ضد ذلك الإنسان وأجعله أية ومثلاً. وأستأصله من وسط شعبي) [حز 14: 7، 8]. وهذا ما حدث فعلاً مع شاول الملك! ولم يكن سوى صموئيل مؤهلاً لتوصيل ذلك القضاء الإلهي الرهيب على الملك الشرير! أما قول صموئيل لشاول (غدًا أنت وبنوك تكنون معي) [1صم 28: 19] فيعني ببساطة أنهم سيفارقون الحياة بالموت، وتذهب أجسادهم إلى القبر، وأرواحهم إلى الهاوية). ( )فهم يرون أن الذي يحضر في جلسات استحضار الأرواح لا يمكن أن يكون الروح، والتي بخروجها من الجسد يفارق الإنسان الحياة، وأن ما حضر في حالة صموئيل كان روح صموئيل، وأنه حضور روحه تم كاستثناء للقاعدة! وعلى هذا لا يمكن تكراره مرة أخرى، وعلى هذا فهم يرون أن الذي يحضر في هذه الجلسات لا يمكن أن يكونوا سوى الديمونات التابعة للشيطان، أي أنها شياطين الجن، ومع هذا يصرون على إطلاق اللفظ الشمولي (أرواح) على الجن، حرمة الاتصال بالأرواح عند النصارى:
يقول الآب دانيال: (.. لا تذهب إلى جلسة (تحضير للأرواح) فهذا بكل تأكيد يعرضك لأن تقيد من العدو في مجال أو أكثر.. إن الزمن لم يتغير بالنسبة لقوانين الله، وكل من يتصل بالأرواح الشريرة يعرض نفسه وجسده لأضرار بالغة.. لكن ليس فقط ما يسمى بتحضير الأرواح (Necromancy) هو دائرة الاتصال الوحيدة بمملكة الظلمة التي يلجأ إليها الناس للاستفادة من قوة الأرواح الشريرة في معرفة معلومات لا يمكن التوصل إليها بالطرق العادية أو للشفاء من الأمراض أو لإيذاء الآخرين.. تحضير الأرواح هو واحد من طرق عديدة يطلق عليها بالإنجليزية اسم (The occult)، والكلمة حرفيًا تعني شيئًا مختفيًا (Something hidden)، فهي تطلق على كل دوائر الاتصال بالأرواح الشريرة غير المنظورة التي يرأسها إبليس.. لنقرأ معًا الأعداد من 9 إلى 14 من الإصحاح الثامن عشر لسفر التثنية، إنها تقدم لنا عرضًا لأهم هذه الدوائر.. (متى دخلت الأرض التي يعطيك الرب إلهك .. لا يوجد فيك من يعرف عرافة، ولا عائف، ولا متفائل، ولا ساحر، ولا من يرقي رقية، ولا من يسأل جنًا أو تابعة، ولا من يستشير الموتى، لأن كل من يفعل هذا مكروه عند الرب). ( ) فقد ذكر ما يدلل على اطلاعه ودرياته بتفاصيل الاتصال بالأرواح، ولا ضير؛ لكن قناعته بمدى مخاطر هذا الاتصال على جسد الإنسان، كما يقول: (وكل من يتصل بالأرواح الشريرة يعرض نفسه وجسده لأضرار بالغة..)، فهذا فيه دليل على مدى قناعته التامة بحقيقة الاتصال بالأرواح، وقناعته هذه توافق قول المتخصصين الروحانيين المرفوضين لديهم، ويلخص هذه المخاطر الباحث أوليفر فوكس Oliver Fox بحسب رأيه إلى سبعة مخاطر وهي: (أولاً: حدوث هبوط في القلب. ثانيًا: حدوث خطأ في تشخيص الحالة بأنها وفاة، وبالتالي دفن الشخص دفنًا متعجلاً.. ثالثًا: حدوث إحساس وقتي بالضيق. رابعًا: حدوث نزيف في المخ. خامسًا: انفصال الحبل الأثيري الذي يصل بين الجسدين الفيزيقي والكوكبي، وهذا معناه حدوث وفاة.. سادسًا: تأثر الجسد الفيزيقي بما قد يعانيه الجسد الكوكبي من متاعب. سابعًا: حدوث مس أو استيلاء على الجسد الفيزيقي بمعرفة كائن غير متجسد).( ) لكن إذا كان الأمر متعلقًا بالاتصال بروح العذراء، وظهورها على قبة الكنيسة، فيبدو أنه لا مانع لديهم مادام الاتصال يتم في طي الكتمان.ورغم حرمة الاتصال بالأرواح أو عالم الجن عند النصارى، فلك أن تعلم أن في أوربا على سبيل المثال بها هيئات كنائسية متخصصة في الاتصال بالجن والقرائن، وإجراء الأبحاث والدراسات والفلسفات المتخصصة بالعلوم الجنية، ولكن تتم هذه الدراسات بغير مسمياتها الحقيقية، تحت ما يسمى الدراسات الروحية والروحانية، فلا معلومات كتابية كافية لديهم عن عالم الجن والقرائن، لذلك يدرجونها تحت مسمى الروح، ومن هذه الهيئات الكنائسية ما يطلقون عليه (هيئة زمالة الكنائس للدراسات الروحية والروحانية Churches Fellowship For Psychical And Spiritual Studies)، وهذه واحدة من مئات الهيئات المعنية بالبحث الروحي والتي انتشرت ومنها هيئات قلية تنتمي إلى بعض الجهات الدينية، وهيئات مستقلة تمامًا عنها. وتعبير Studies Psychical يشير إلى دراسة الظواهر الروحية في حد ذاتها، أما تعبير Spiritual Studies، فهو يشير إلى كل دراسة خاصة بالفلسفات الروحية بوجه عام لذا آثرنا تعريبها بكلمة (روحاني) بدلاً من (روحي) للتمييز بين الموضوعين)( )وحتى القرائن من الجن تواجه هؤلاء الباحثين بجهلهم بعالم الجن وخصائصه، أو من منطلق مفهومهم الخاطئ تواجههم بجهلهم بعالم الأرواح، وأنها تتعامل معهم على حسب معرفتهم السيئة بعالمهم، خاصة وأن الكتاب المقدس غير متضمن لمعلومات صحيحة ووفيرة عن عالم الجن والقرائن، بالقدر المتاح في الكتاب والسنة، بل معلوماتهم محرفة ومغلوطة إلى حد كبير، فلو واجهتهم القرائن بثوابت القرآن والسنة، لأثبتت بشكل أو آخر أحقية الإسلام بالاتباع، وبطلان ما عداه من الملل المحرفة، ولكن باعتبار هذا القرين شيطان من شياطين الجن، فلن يحدو إلى الاتجاه المؤدي للاعتراف بدين الإسلام، ولكن سيعمل على مجاراتهم ومسايرتهم في معتقدهم الباطل، فنجد أن قرين أحد الموتى يؤكد هذا فيقول لهم: (إنكم تعرفون معنى الروح على نحو سيء، فهي بالنسبة لكم إما مجرد طيف مخيف وقبيح، وإما كائن غامض، بخاري، تقريبًا لا وجود له. وفي الغالب تظهر الروح التي تريد أن تظهر نفسها على هذا النحو، لكن هذا النحو يمثل مجرد انعكاس منا غير متجسد تمامًا، في الصورة المناسبة لكي تجتذب انتباه من يرانا. إن الشبح المرعب له هدفه، وكذلك أيضًا الطيف المضيء الجميل، فهما معًا مجرد انعكاس، لكن البعض منا يظهر مشابهًا لحالتنا الراهنة، ويمكن للإنسان أن يلمسه، ويشعر بحرارة الحياة في أعضاءه الصلبة.. ). ( )وكلام القرين هذا وافق ماجاء به الإسلام عن عالم الجن، فمن الثابت بالكتاب والسنة قدرة الجن على الظهور في عالم الإنس، حسب إرادتهم، ووفقًا لمشيئتهم،كما ظهر الشيطان وهو من الجن لكفار قريش، وكما ظهر لأبي هريرة رضي الله عنه، فلا قدرة للإنسان على إظهارهم، أو منعهم من الظهور، وهذه هي نفس الخصائص في الرسائل الموجهة إلى الروحانيين من القرائن، فهناك رسالة يقولون فيها: (ينبغي أن نذكركم بأننا لسنا بحاجة لأن نتجسد حتى نظهر لأصدقاءنا في المستويات الدنيا، بل يكفي أن نجعل أنفسنا منظورين، وحتى بالنسبة لأولئك المقيمين على الأرض يوجد سبيلان لإظهار أنفسنا: فيمكننا أن ننتج مادة مماثلة لمادتكم، كم يمكننا بكل بساطة أن نجعل أنفسنا منظورين، وهذا أمر ممكن في جميع المستويات التي نرتادها).( )فحرمة الاتصال بالأرواح، وقلة المعلومات الكتابية عن الجن، وتنظيم الكنائس لهيئات بحثية متخصصة، وهذه الأمور الفائقة التي تظهر لديهم، واعتراف القرائن ضدهم، فهذا في مجمله يؤكد أمور خطيرة جدًا، من شأنها فضح أهل الكتاب، فمعتقدهم يتعارض مع الواقع، وفعلهم مخالف لقولهم وأحكامهم، فبشكل قاطع؛ لا أعتقد أن أهل الكتاب يجهلون هذه الحقائق عن عالم الجن، بل يعرفون تفاصيل أعمق وأكثر من هذا بكثير، ولكن هذه التفاصيل من شأنها كشف التحريفات في كتبهم، وتأييد الكتاب والسنة، وهذا ما لا يرغبون فيه، لأنها من جهة أخرى ستفضح اتصالهم بعالم الجن، وأنهم يمارسون السحر فيما يطلقون عليه مواهب الروح القدس، باعتبارها الإطار الشرعي لديهم الذي يستر هذه الحقيقة، لذلك فما يظهر على السطح شيء، وما هو تحت الثرى شيء آخر، وحتى لا نعمم الأحكام، فالسحر لا يشترط فيه مباشرة أفعال وعلم مخصوص، بل يكفي أن تتحرك أنفسهم، وتنزع إلى الشر والحسد، لتتحرك الشياطين من الحين والتو إلى الإفساد في الأرض، فيظن الجاهل أنها معجزات، تمامًا كما يحدث في سحر النظرة أو العين، هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العين حق، ويحضر بها الشيطان، وحسد ابن آدم).( ) تفسير لحقيقة الاتصال بالأرواح:
يجب عند البحث المحايد التفريق بين دراسة إمكان حدوث الظاهرة، وبين دراسة مشروعيتها، وبين أن الظاهرة قد حدثت بالفعل، ونجهل بكيفية حدوثها، إن لم نجد لها دليلاً شرعيًا، أو استحال حدوثها بالقياس، ويجب أن نتبه إلى تأويل النص الذي يحتمل عدة تفسيرات محتملة، فقبل أن نحكم على إمكان حدوث اتصال بين عالم الأرواح والأحياء، أو بين عالم الجن وعالم الإنس، يجب أن نلم بكل أبحاث ودراسات المتخصصين في هذا التخصص، فلا نتعصب لصالح ظاهر النص، ضد احتمالات تأويله، وأن نتأكد من جدية البحث المطروح للدراسة قبل الحكم عليه بصحته ومشروعيته، حرصًا أن يضيع الحق بسبب تقصيرنا، قبل أن نحكم بإمكان حدوث هذا التواصل، في واقع الأمر إن ملف الاتصال بالأرواح متخم بالأدلة والتجارب العملية، التي تفرض علينا عدم الانصراف عنها، والتعامل معها بجدية، فإذا حكمنا بإمكانه، يأتي في النهاية البحث عن مشروعية هذا الاتصال، إلا أنه هناك ثمة ملاحظات تلزمنا بتوخي الحرص التام في التعامل مع هذه الظواهر. تم التعامل قديمًا مع الاتصال بالأرواح باعتباره أحد فنون السحر، طومسون يقول: (إن استحضار الأرواح هو ذلك الفرع من الفنون السحرية التي تمارس الكشف عن الأحداث المستقبلية بواسطة الاتصال بالموتى. ورغم أنه كان ينتمي إلى النوع المسمى السحر الأسود (السحر الذي يصطنع لأغراض شريرة)، فإن ممارسته كانت على ما يظهر، متسامحًا بها إذا كانت ملائكة الخير، وليس الشياطين، متورطة من اجل الغرض. في الأزمنة القديمة، كان يعني استحضار الأرواح النزول إلى الجحيم لاستشارة الموتى فيما يتعلق بالأحياء).( )وظاهر جلسات تحضير الأرواح، أن الوسيط متواطئ مع شيطان ساحر، وبالتعاون بينهما، يطلب المعزم من شيطانه إحضار قرين المتوفى، وهو دائما ضعيف مغلوب على أمره، هذا إن كان لا يزال على قيد الحياة ولم يمت بعد، والذي يشابهه في نفس الصوت والصورة، وعلى دراية كاملة بأسراره، ولتنطلى الحيلة على الناس فمن السهل على القرين من الجن معرفة تاريخ حياة المتوفى عن طريق تسلط الجن على بعضهم البعض،
طومسون يقول: (لا أحد يستطيع استخدام فن تحضير الأرواح، أو ممارسته، ما لم يعقد أولاً اتفاقية، أو عهدًا خاصًا مع الشيطان .. إن بعض الشياطين تفضل كرؤساء لكي تأمر الشياطين الأخرى، والشياطين الأدنى هي خاضعة لتلك التي هي ذات قوة كبيرة للتنفيذ).( )فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: ( وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير). ( )
ومن حديث عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً. قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: (مالك يا عائشة أغرت؟) فقلت: ومالى لايغار مثلى على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقد جاءك شيطانك؟) قلت: يا رسول الله، أو معى شيطان؟ قال: (نعم) قلت: ومع كل إنسان؟ قال: (نعم) قلت ومعك يا رسول الله؟ قال: (نعم، ولكن ربى عز وجل أعاننى عليه حتى أسلم). ( )وهكذا تنطلى الحيلة على المغرر بهم، ويعتقد الجهال في إمكان تحضير الأرواح من العالم البرزخى، وهذا مستحيل من عدة جهات، عدم قدرة مخلوق أن يسيطر على الروح أو يخضعها لأمره، ولو جاز ذلك لكان أحرى بكل إنسان أن يسيطر على روحه فيمنع موته أو يؤجله، ولصار بيننا معمرون، وهذا محال ولايمكن أن يحدث، ولو فرضنا أن المتوفى مات شهيدًا فهو عند ربه حى يرزق قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169]، فإذا كان الشهداء عند ربهم أحياء يرزقون ويتمتعون بنعيم الله، فهل يعقل أن يتركوا ذلك النعيم المقيم والسرور ليرجعوا إلى عالمنا البئيس ليحزنوا برؤية حفنة من السفهاء؟ وهل حرية الخيار متروكة للأرواح لتذهب إلى العالم البرزخى وتعود منه بدون رقيب؟ بالتأكيد لايمكن ذلك والأمر لايعدو عن كونه إضلال من شياطين الجن والإنس.(لقد وضعت مجلة (سينتفيك أمريكان) جائزة مالية لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر الروحية ولا تزال الجائزة قائمة لم يظفر بها أحد رغم انتشار الروحيين ونفوذهم وبراعتهم في أمريكا، وقد ضم إلى هذه الجائزة جائزة أخرى تبرع بها الساحر الأمريكى دننجر للغرض نفسه ولم يظفر بها أحد أيضًا. ولكن ما موقف الإسلام من امكان احضار روح المتوفى؟ إن التأمل في النصوص التي وردت في هذا تجعل الباحث يعتقد جازما أن ذلك مستحيل، فقد أخبرنا الله تعالى أن الأرواح من عالم الغيب الذي لاسبيل إلى إدراكه قال تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً) [الإسراء: 85]. وأخبر أنه يتوفى الأنفس وأنه يمسك النفوس عند الموت قال تعالى: (اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا، فَيُمْسِكُ التي قَضَىعَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلِ مُسَمًّى) [الزمر: 42]. وقد وكل الله بالأنفس ملائكة يعذبونها إن كانت شقية كافرة، وينعمونها إن كانت صالحة تقية. وقد تبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يقبض ملك الموت الأرواح وما يفعل بها بعد ذلك. والأرواح إذكانت ممسكة عند ربها موكل بها حفظة أقوياء مهرة، فلا يمكن أن تتفلت منهم وتهرب لتأتى إلى هؤلاء الذين يتلاعبون بعقول العباد. وبعض هؤلاء يزعم أنه حضر روح عبد من عبيد الله الصالحين من الأنبياء والشهداء، فكيف يتركون جنان الخلد إلى حجرة التحضير المظلمة، فقد أخبرنا الله أن الشهداء أحياء عند ربهم قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَآءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169]. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ( أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في رياض الجنة، تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها وتأوي إلى قناديل معلقة في سقف عرش الرحمن) فكيف يزعم دجالوا العصر أنهم يحضرون أرواح هؤلاء؟ كيف؟ قال تعالى: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا) [الكهف: 5]).( )وتختلف طريقة التحضير من ملة إلى أخرى فاليهود يحضرون بالتوراة والنصارى بالإنجيل، بينما المسلمون يرتلون آيات الذكر الحكيم، فهل كل أرواح المسلمون واليهود والنصارى والمشركون في نعيم مقيم؟! ولكشف تلك اللعبة الشيطانية فليبادر أحد الحضور برفع صوته بالأذآن فهو ذكر للرحمن مطردة للشيطان، وسيفضح ذلك المعزم أمام رواده بإذن الله تعالى، ولن تحضر تلك الروح حسب زعمه الباطل، بل ستولى مدبرة، لأنها ببساطة شيطان رجيم قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أن يَحْضُرُونِ) [المؤمنون: 97،98].روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، رضي الله، عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لايسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إن اقضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لايدري كم صلى).( )وتحضير الأرواح يعد إحدى وسائل إتصال الإنس بالجن، وهى من مظاهر الاستعاذة بالجن، وباب من أبواب الكهانة والعرافة، والتلاعب بالدين والسذج بالباطل فيه بزعم تحضير الروح والسيطرة عليها مما يعد ازدراء صريح للدين وسخرية بعقول أتباعه.(من الدعوات التي روجت لها الصهيونية والاستعمار، دعوة تحضير الأرواح، وجمعياتها تتخذ أسلوب الماسونية، إذ تقوم على الأسرار والرموز، ولها درجات يترقى فيها العضو، حتى يصل إلى أعلى مكان، ولاريب أن القول بأن أرواح المتوفين يمكن أن تعود إلى عالمنا، وأن تتكلم، هو ادعاء ليس له أي دليل علمى أو عقلى، ذلك أن عالم الأرواح عالم غيبى. من المستحيل أن يستطيع البشر اختراقه وأن كل ما عرف عنه لا يعدو ما جاء في الكتب المنزلة. وفى مقدمتها القرآن).( )ومن الواضح أن فكرة إمكان تحضير الأرواح وتبنيها وثيقة الصلة باليهود، لأن الدجال ملك اليهود المنتظر سوف يمارس بنفسه ليس فقط تحضير أرواح الموتى، بل وإحيائهم، وإليك الخدعة التي سيقوم بها لتحقيق ذلك، كما أخبر المعصوم عليه الصلاة والسلام: (وإن من فتنته أن يقول لأعرابى أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أنىربك؟ فيقول له: نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يابنى اتبعه فإنه ربك، وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا، فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربا غيرى، فيبعثه الله ويقول له الخبيث من ربك؟ فيقول: ربى الله، وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك من اليوم).( )
والقول بتحضير أرواح الموتى هو اعتقاد تناسخى يوافق من قالوا بتناسخ الأرواح ورجوعها من عالم الأموات وحلولها في أجساد الأحياء. (التناسخ في عرف القائلين به، رجوع الروح بعد موت البدن إلى العالم الأرضى متلبسة بحسد جديد.. وهو أنواع: