الأسحار المنامية والرؤى السحرية
الكاتب: بهاء الدين شلبي.
لكي يستقيم فهمنا للنصوص، وحملها على المعنى المراد منها، لا على المعنى الذي ندركه بفهمنا، يجب أن نصحح من استخدامنا الخاطئ للكلمات، وإسقاطها في غير موضعها، ولكي نكون قادرين على حسن التعبير عن مرادنا، بألفاظ دقيقة، ومحدة الدلالة والمعنى، فلا يلتبس فهمنا للنصوص، ولا يلتبس على الآخرين فهم كلامنا، وبهذا يمكننا أن نستقبل مفاهيم النصوص بحسب المعنى المطلوب وصوله إلينا، فندرك معناها القطعي، لا أن نفهمها بمفاهيم ظنية مضطربة، ثم يثبت لنا لاحقا أن فهمنا كان خاطئا. حقيقة قد نشترك في وحدة اللغة، ولكننا نختلف في وحدة فهم المعنى، بسبب ما يطرأ على اللغة من تطورات، ودخول معاني جديدة لم تكن مستخدمة من قبل على الكلمات، فما كان يراد أن يفهم من الكلمة سابقا، صار يفهم اليوم بمفهوم لا علاقة له بأصل نشأة الكلمة، فتعددت اللهجات، ودخلت الكلمة الأعجمية، والألفاظ المعربة، فصارت لغتنا العربية المتداولة اليوم أشبه ما تكون بمسخ مستقبح، ثم يتجرأ صاحب هذه العقلية السقيمة على محاولة تدبر النصوص الشرعية، دون أن يتجرد من رصيده اللغوي، والذي لا يميز فيه بين الأصيل والدخيل.
وهذا ليس أمرا محدثا، وإنما هو ميراث تناقلناه جيلا بعد جيل على مدار قرون طويلة، حيث خالط أسلافنا العرب جنسيات أخرى كثيرة، بسبب توسعات الدول الإسلامية، وامتداد أراضيها، لتصل إلى دول وسط وشق آسيا، وقلب أوروبا، ومع الثورة الإعلامية المعاصرة، والانفتاح الثقافي على العالم، أتخمت ألسنتنا بكلمات وألفاظ ومعاني شوهت لغتنا، وعكرت صفوها. لذلك فمن يدقق في كتب التراث الإسلامي، سيجد أن كل مدون منهم تناول فهم النصوص الشرعية بحسب رصيده من اللغة العربية، ولو أنهم فهموا النصوص بحسب الأصول اللغوية التي انزل بها، لما حدث الاختلاف بينهم في الفهم، ولاجتعوا عل مفهوم لغوي واحد، خاصة وأن أغلبهم كانوا من العجم، وليسوا بعرب أقحاح.
حتى معاجم اللغة على وفرتها، لم يتم وضعها إلا في وقت متأخر من البعثة. صحي كان هناك محاولات بدائية لتدوين المعاجم على عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، إلا أن المعاجم العربية بمعناها العام والشامل لمفردات اللغة العربية ظهرت في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري. ويعتبر معجم “العين” هو أول معجم للغة العربية، كتبه الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو من أصل عربي، ولد في عُمان على الخليج العربي سنة 100هـ، وتوفي سنة 173 هـ. ولد إباضيا، وتحول إلى مذهب أهل السنة والجماعة. ونشأ في البصرة، وعرف بالبصري، وأتمه ورتبه الليث بن المظفر الليثي الكناني.
بشكل عام؛ لدينا خلط شائع في استخدامنا لكلمة المنام والرؤيا، وهذا يولد لبسا لدينا، وخلطا في المعاني، نتيجة لحمل معنى الكلمات على خلاف المراد منها، ومحصلة ذلك كله سوء فهم للنصوص، وأحيانا أخرى يحدث نتوقف في فهم بعض النص، نتيجة العجز عن إدراك المراد منها، وثمرة هذا كله تعطيل الكثير من النصوص عن الاستفادة منها.
(المنام) هو النوم الذي يعتري الإنسان، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) [الروم: 23]، وقال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) [الزمر: 42]، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) [سبأ: 9]، وقال تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) [الصافات: 102].
والنوم بمعنى الرقاد وضده اليقظة، لقوله تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) [الكهف: 18]، أي وهم نيام، وفي لسان العرب: “وفي التهذيب عن الليث: الرُّقود النوم بالليل، والرُّقادُ: النوم بالنهار؛ قال الأَزهري: الرُّقاد والرُّقُود يكون بالليل والنهار عند العرب … والمَرْقَد، بالفتح: المضجع“. ا. هـ
(الرؤيا) هي كل ما يراه النائم، ويتصوره في منامه، لقوله تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ) [يوسف: 5]، ففي لسان العرب: “والرؤيا والحُلْمُ عبارة عما يراه النائم في نومه من الأَشياء، ولكن غَلَبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحُلْمُ على ما يراه من الشر والقبيح؛ ومنه قوله: أَضْغاثُ أَحْلامٍ، ويُستعمل كلُّ واحد منهما موضع الآخر، وتُضَم لامُ الحُلُمِ وتسكن. الجوهري: الحُلُمُ، بالضم، ما يراه النائم“. ا . هـ والرؤى والأحلام، وأضغاث الأحلام هي ما نقصه على المعبرين مما رأياه في منامنا ليؤولوه، أي ليفتوا في إشاراتها، ويبينوا دلالتها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) [يوسف: 43]. أي بينوا لي دلالة رؤياي ومعانيها، إن كنتم للرؤيا تفسرون.
كل ما يراه النائم في منامه ينقسم إلى؛ إما رؤى مصورة وتنقسم إلى مبشرات من الله، وأحلام من الشيطان، وحديث نفس، وإما كشف سمعي وبصري منامي، وهي كل ما يراه المصاب بالمرض الروحي مما يدور في عالم الجن من أحداث، سواء كان يجري على حقيقته أم كان “سحر تخييل” من سحرة الجن، وسواء كان يقظة أم مناما، وهو ما يعنينا من الرؤى المنامية، ومدى علاقتها بالسحر. وسواء عليه كانت رؤى أم كشوفات فللشيطان دور فيها بشكل أو آخر، وهذا كلام يحتاج إلى تفصيل.
حديث النفس:
من الرؤى المنامية؛ ما تتحدث بها النفس وتتصوره أثناء النوم وتتخيله، وما تستدعيه من مخزون ذكرياتها الماضية، والأحداث اليومية الجارية، وما يشغل بالها من هموم، فتعيد تصورها تبعا لأهواءها، وميولها، من عواطف إنسانية، وتطلعات شخصية، ورغبات مأمولة، وشهوات مكبوتة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الرؤيا: (… ما يَهُمُّ الرجلُ في يَقَظَتِه فَيراهُ في مَنامِهِ …)، وفي رواية (… مما يحدِّثُ به المرءُ نفسَه …). فأحاديث النفس المنامية تشبه أحاديث اليقظة، أو أحلام اليقظة، كما يطلق عليها الطب النفسي، إلا أن الفارق بينهما أن أحلام اليقظة يتفاعل معها الإنسان إراديا، أما حديث النفس مناما فتفاعله معه شبه إرادي.
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح رجاله ثقات
كذلك فإن عملية التفكير تتم إراديا يقظة، بينما إثناء النوم يفقد الإنسان وعيه، ويسلب إرادته في التفكير، فيفكر لا إراديا، فيتوقف كلا من الجسد عن الحركة الإرادية، والنفس عن الوعي والتفكير الإرادي. أما الحركة اللاإرادية، والتفكير اللاإرادي فإنهما مستمران بدون توقف. بشكل عام؛ في حالة فقد الإنسان وعيه وسلب إرادته، فإن للشيطان القدرة على التحكم به التخبط بعقله، (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275]، والتخبط يكون بعقل الإنسان، كما يكون بجسده أيضا، فيفكر بغير هدى، كما يتحرك بغير هدى، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ بالله أن يتخبطه الشيطان عند الموت، فلا يستغل ضعف النفس حال الغرغرة فيفتنه ويضله، خشية أن يموت على غير هدى.
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
والثابت قي كتاب الله تبارك وتعالى توفيه الأنفس حين نومها، بمعنى أنها تقبض، ثم يرسلها تارة أخرى عند الاستيقاظ من النوم، قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى) [الزمر: 42]. وتوفي الأنفس أي قبضها، كما في لسان العرب: “والوفاةُ الموت. وتُوُفِّيَ فلان وتَوَفَّاه الله إذا قَبَضَ نَفْسَه، وفي الصحاح: إذا قَبَضَ رُوحَه، وقال غيره: تَوَفِّي الميتِ اسْتِيفاء مُدَّتِه التي وُفِيتْ له وعَدَد أَيامِه وشُهوره وأَعْوامه في الدنيا“. ا. هـ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الشَّيطانَ يأتي أحدَكم في صلاتِه فيدخلُ بينَه وبينَ نفسِه حتَّى لا يدريَ زادَ أو نقصَ فإذا كانَ ذلِك فليسجدْ سجدتينِ قبلَ أن يسلِّمَ ثمَّ يسلِّمُ).
خلاصة حكم المحدث:حسن صحيح
خلاصة حكم المحدث:ثبت بأسانيد صحيحة
خلاصة حكم المحدث:صحيح
بحسب ظاهر النصوص أنه بقبض الروح يموت الإنسان، ويسكن جسده تماما ويتوقف عن الحركة، لكن بقبض النفس عند النوم، فإن الإنسان حي لم يمت، بدليل أنه يتنفس ويتقلب في فراشه، بينما عقله لا يزال يعمل ويتصور الرؤى بشكل لا إرادي.
خلاصة حكم المحدث:رجال أحمد وأحد أسانيد الطبراني في الكبير رجال الصحيح
خلاصة حكم المحدث:صحيح
علاقة الشيطان بالنفس أو الروح:
بدأ الله تبارك وتعالى خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام من طين، فقال تبارك وتعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [ص: 71، 72]، فصوره في أحسن صورة، كما أحسن صور ذريته، لقوله تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر: 64]، حتى إذا اكتمل تصويره في أحسن صورة، جعل الطين بشرا سويا، أي صار الطين عظاما ولحما، ثم نفخ فيه الروح، وقوله (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) فالنفخ يكون للريح، مما يدل على أن الروح ريح من الله تبارك وتعالى، وفي اللسان: “ابن سيده: نَفَخ بفمه يَنْفُخ نَفْخاً إِذا أَخرج منه الريح يكون ذلك في الاستراحة والمعالجة ونحوهما؛ وفي الخَبر: فإِذا هو مُغْتاظٌ يَنْفُخُ؛ ونَفخ النارَ وغيرها ينفُخها نَفْخاً ونَفِيخاً”. ا. هـ وهذه الآية فصلت بين العنصر الروحي وبين الجسد من تكوين الإنسان، فقوله تعالى: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ) عائد على خلق الجسد، (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) أي استقام خلقه، واعتدلت هيئته، (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) [مريم: 17] ثم بعد خلق الجسد يأتي نفخ الروح، (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) مما يؤكد بأن الإنسان أو البشر كائن حي يتكون من روح وجسد.
وعلى هذا الأصل الوارد في كتاب الله تعالى، في خلق الإنسان ككائن حي، نقيس تكوين خلقة جميع الكائنات الحية، من جسد ورح، وكل شيء خلقه الله عز وجل هو كائن حي، طالما أن كل شيء يسبح بحمده، فكل شيء مخلوق له جسد وروح، لقوله تعالى: (سَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء: 44]. ولكن تختلف هيئة أجساد المخلوقات، فمنها ما هو مادته سائلة كالماء، وما ئعة كالزيوت، وصلبة كالصخر، ومنها ما هو لين كالنباتات، ومنها ما هو غاز كالهواء، والملفت أن هذه العناصر المختلف يتكون منها أغلب المخلوقات، فجسم الإنسان نجد فيه سوائل كالماء والدم، ومواد صلبة كالعظام، ومواد لينة كالعضلات، ومواد غازية ما يستنشقه من هواء، وما يخرج منه من غازات.
وسنجد أن بعض المخلوقات يغلب عليها عنصر على حساب عناصر آخرى، فالهواء مجرد غاز، فإذا زاد في تكوينه الماء أو البخار تكون السحاب ونزل المطر، ومثل الحجارة رغم قساوتها، فإنها قد تحتوي أحيانا على الرطوبة والماء. ولأن الإنسان يجتمع في خلقه كل هذه العناصر، ويغلب عليه العنصر المادي المحسوس، فإن هذا الفهم سيقودنا إلى إدراك طبيعة خلقة الملائكة والجان، بهدف إمكان حلول الملك والجان في جسم الإنسان، فلو غلبت الحالة الروحية على خلق الملك والجان، أمكنه أن ينفذ إلى جسم الإنسان ويلج فيه ليصور له المنامات، ثم يخرج منه. فإن كانت الروح من الريح، فالريح يمكنها التمدد والتقلص، والنفاذ إلى جسم الإنسان، ولو كانت طبيعة الملائكة والجن يغلب عليها العنصر الروحي، فيمكنهما الدخول في جسم الإنسان. فمادة خلقهما الملائكة من نور، والجان من نار، النور والنار عنصران روحيان، فالنور له سرعة انتشار أي له حركة ولكن لفرط سرعة الضوء لا ندرك حركته، والنار لها سرعة حركة وحرارة، ويتأثر نشاطها بنشاط الريح،
إذن نفهم من هذا أن كل مخلوق هو في حقيقته كائن حي، فكل هذه المخلوقات تسبح بحمد الله عز وجل، وطالما ثبت لها التسبيح فهذا يثبت أن لها روح خاصة بها، لقوله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس: 65]، ولقوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور: 24]. فكل عضو من أعضاء جسم الإنسان يسبح بحمد الله تبارك وتعالى، أي أن له هيئة مادية، وله روح.
وبناءا عليه فالجان كذلك كائن حي يتكون من جسد وروح، إلا أن الجان خلق من نار، وليس من طين كالإنسان. وإن كان آدم عليه السلام لم يبقى طينا بحسب مصدر خلقه، إلا انه صار بشرا سويا، فكذلك الجان لم يبقى على أصله من نار،
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر: 64]
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) [الفرقان: 54]
(إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ) [ص: 71]
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) [الحجر: 28]
(فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) [مريم: 17]
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) [الأعراف: 11]
(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر: 64]
أما خلق الجسد ففيه تفصيل؛ قال تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) [السجدة: 7؛ 9] فالإنسان الأول (آدم عليه السلام) خلق من طين، وهذه خلقة البدأ من طين، لقوله تعالى: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)، ثم جعل سائر نسله وسلالته من ماء مهين، وهذه خلقة النسل م ماء مهين، لقوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ)، باستثناء المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام فهما آية للعالمين، لقوله تعالى: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 91]. فقوله (أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) يجزم بعفة فرجها عن طهارة نفس بإرادة.
خلق الله الإنسان ومن قبله خلق الجان، لقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) [الحجر: 26، 27]، (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) [الرحمن: 14، 15]. فقد ذكر (الْجَانَّ خَلَقْنَاهُ) بصيغة المفرد،
فإن كان الجان مخلوق كالإنسان، فإنه كذلك له خلقة بدأ من نار، كما ثبت بالنصوص الصرحية، ولهم كذلك خلقة نسل، لقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) [الكهف: 50]، فقوله (وَذُرِّيَّتَهُ) شاهد صريح على أن للجن نسل وذرية، فهم يتناكحون ويتناسلون، فهم يولدون كما يموتون. وعليه فإن كان للجان خلقة بدأ من نار، فإن لهم خلقة نسل، كما الإنسان تماما،
إن كان الإنسان يتكون من جسد ورح، فكذلك تكوين الجان، فإذا انفصلت الروح عن الجسد مات الإنسان والجان، قال تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ) [الأعراف: 38]، فقوله (أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ) يفيد موت الجن والإنس، كما ثبت بنص الحديث (والجِنُّ والإنْسُ يَموتُونَ)، فالجن مخلوقات كالإنس تماما تتكون من جسد ورح، لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]
خلاصة حكم المحدث:صحيح
لا سلطة للشيطان على الروح، طالما هي حرة طليقة خارج الجسد، فإذا حلت الروح في الجسد سميت نفسا، وخضعت لقوانين الجسد، وحينها يتمكن الشيطان من التأثير في النفس جزئيا، هذا بحكم ارتباطها بالجسد الفاني، وتأثرها بما يعتريه من أحوال ومتغيرات. فإن كان للشيطان أن يسيطر على الجسد، وإن كانت النفس تتأثر بالجسد، فإن اشيطان يمكنه التأثير فيها، فيشعل الغضب النفسي، ويسبب الكسل وخبث النفس، ويذكر النفس وينسي، ويؤجج الشهوات ويحرك الغرائز، ويصور الرؤى المنامية، فيتلاعب بنفس النائم. وأول تأثير في النفس يكون عند المولد من مس الشيطان أو نخسه، أي يطعنه بإصبعه، فيستخل صارخا من الألم الذي يشعر به، وهذا الألم يقع على النفس والجسد معا. فإذا كان الشيطان له القدرة على أن يمس نفس الإنسان بالأذى، ونفسه هي روحه حال حلولها في الجسد، فإن المس والسحر والعين ليست أمراضا عضوية، تخضع لعلوم الطب البشري، وإن كان لها تأثيرا على أعضاء جسم الإنسان، وإنما هي أمراضا نفسية، أي أمراضا روحية، طالما أن النفس والروح شيء واحد.
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
خلاصة حكم المحدث:صحيح
وفي نص آخر بين المراد بقوله يمس أو ينخس بالطعن بالإصبع فقال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ بني آدمَ يطعنُ الشيطانَ في جنبيهِ بإصبعِه حين يولدُ، غير عيسى ابنِ مريمَ، ذهب يطعن فطُعن في الحجابِ ).
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
النفس ضعيفة طالما أنها محكومة بطبيعة الجسد، وطبيعة الجسد المادي خاضع لتأثير الغرائز والشهوات، فبسبب شهوات الإنسان ترتكب أعضاء جسمه الذنوب، ويكتسب الإنسان الآثام، فتشهد عليهم أعضاؤهم يوم القيامة بما كانوا يكسبون، لقوله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس: 65]، أي أن كل عضو من أعضاء جسم الإنسان له روح خاصة به، فينطق العضو ويكلم الله تبارك وتعالى كلام البشر. والنفس تهوى وتتمنى، قال تعالى: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ) [النجم: 23]. فكل ما تعلق بالشهوات فللشيطان عليه سلطان، فهو من يزين للناس حب الشهوات، كما زين لآدم عليه السلام من قبل الأكل من الشجرة، أي يحسنها فيحلها له ما حرم الله، قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران: 14] فكل عمل من أعمال الدنيا، يزينه الشيطان للإنسان حتى يراه حسنا، فينشغل به عن طلب الآخرة، لقوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) [الأنفال: 48]
وتزيين الشيطان؛ بأن يحسن لنفسك أعمالها ول ما يطيب لها، فإما أن ترى عملك السيء حسنا، لقوله تعالى: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) [فاطر: 8]، وكل عمل خالف أمر الله تبارك وتعالى، فهو من سيئات الأعمال. وإما يشغلك الشيطات بمباحات الدنيا، فتغفل عن طلب موجبات الآخرة، قال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: 7]، فتزيين الشيطان يعمي القلوب فيصدها عن سبيل الله بعد إبصارها، لقوله تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [العنكبوت: 38].
والتزيين يكون في النفس العاقلة عموما، وفي القلب تحديدا، فإن قسى القلب وتحجر، تسلط عليه الشيطان، فزين له سوء عمله، (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43]، فالقلب هو العضو العاقل والمفكر من نفس الإنسان، فإن تحجر العقل، وأغلق، استعصى عليه الفهم، قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]، فالقلب المضغة النابضة، ما هو إلى بوابة إلى القلب العاقل والمفكر في صدر الإنسان، والقلب خلاف المخ، المخ هو مضعة في الرأس، وظيفته إصدار إشارات عصبية لتفعيل وظائف الجسم البشري، أما القلب بحسب النصوص؛ فهو موضع التفكير والتعقل، لذلك فالشيطان يوسوس في صدور الناس لا في رؤوسهم، (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) [الناس: 5].
فكلما قست القلوب وتحجرت، استعصى عليها الفهم، وأشربت ما تشتهيه، ولفظت عنها ما لا تشتهي ولو كان فيه خيرها، فيتسلط الشيطان على النفس بشهواتها وما تتمنى، ليزين لها الباطل ويشوه لها الحق، قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة: 74]، فالقلب إن صار قاسيا فقد أشرب الفتن، وتشبع منها، وصار مقفلا، قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]، فلا يقبل بعد هذا حقا، فلا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا ، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعروفًا ، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا ، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه)
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:[أشار في المقدمة إلى صحته]
أضغاث الأحلام:
وأضغاث الأحلام؛ هي رؤى منامية من الشيطان، تصور عناصرها أخلاطا مختلفة ومتضاربة. فالأضغاث هي نوع مختلط من الأحلام الشيطانية، فمنها ما هو مجرد تلعب وتخويف وتحزين،
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:إسناده صحيح على شرط مسلم
وهذا على خلاف الرؤى الصحيحة التي من الله عز وجل، فتتميز عناصرها بالتوافق والانسجام فيما بينها، إلا أنه كثيرا ما تلتبس عناصر بعض الرؤى الصحيحة على المعبر، فيصنفها خطئا منه ضمن أضغاث الأحلام، تماما كما حدث مع ملأ ملك مصر، في قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) [يوسف: 43، 44]، فما رآه الملك كان رؤيا صحيحة، بدليل أن يوسف عليه السلام عبرها، وتحقق تعبيره، ولكن التبست عناصر الرؤيا على الملأ، فحسبوها من (أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ)، أي من تخليط الشيطان على النائم والتلعب به.
وإن كان الحلم لا تعبير له، إلا أن له تأويل، أي أن للحلم دلالة قد يتحقق بعضها في الواقع، وهذا مما له علاقة بالسحر، وعلم تأويله مختص بالمعالجين الشرعيين. فمن المفاهيم الرائجة أن الحلم من الشيطان، وما كان من الشيطان كذب، فلن يتحقق، وهذا فهم يفتقر للدقة، وفيه تفصيل. وقولهم (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) فإن كانوا يجهلون تأويل الأحلام، أي الرؤى الشيطانية، فهذا لا ينفي عنهم علمهم بتعبير الرؤى الرحمانية، لكن التبست عليهم عناصر الرؤيا، فحسبوها (أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ)، مما يفيد أن للأحلام الشيطانية تأويل، وهذا يرد ما يعتقده البعض بأن أحلام الشيطان لا تأويلها.
(إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) فهم لم ينفوا علمهم بتعبير الرؤيا، حيث قال لهم الملك (لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)، وإنما نفوا علمهم بتأويل الأحلام، فقالوا (بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ)، أي هناك فارق بين تعبير الرؤيا، وبين تأويل الرؤيا والأحلام، فيقال تعبير الرؤيا، ولا يقال تعبير الأحلام، ويقال تأويل الرؤيا، وتأويل الحلم لقوله تعالى: (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) [يوسف: 100] أي ما آلت إليه الرؤيا من معنى، (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) أي جعل ربي رؤياي حقيقة وواقع، لأن الأصل في الرؤى التي من الله عز وجل أنها حق لا باطل فيها، فتحمل كلمة (حَقًّا) على معنى التحقق، أي وجبت النفاذ، وصارت واقعا متحققا، وليس على معنى الحق ضد الباطل فحسب، وقد يراد كذلك أنها رؤيا صدق من الله عز وجل، وليست رؤيا كذب من الشيطان، فيجوز أن يجتمع المعنيان، أنها رؤيا صدق من الله، وأنها تحققت.
سأل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابن صياد: ( ماذا ترى؟ ) . قال ابن صياد : يأتيني صادق وكاذب، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( خلط عليك الأمر ) . قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( إني قد خبأت لك خبيئا ) . قال ابن صياد : هو الدخ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( اخسأ، فلن تعدو قدرك ) .
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
خلاصة حكم المحدث:رجاله رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وهو ثقة
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
نحلص من قصة ابن صياد أن فيها إشارة إلى أن الشياطين تصور للنائم رؤى منها ما هو صادق ومنها ما هو كاذب، لا يشترط أن يكون الرائي كاهنا او ساحر، ولكن سحرة الجن وكهنتهم يستدرجون أصحاب العقيدة الهشة والأهواء برؤى قد تتحقق في الواقع، وبهذا يفتن الرائي في نفسه ويظن فيها الصلاح، وأنه مكشوف عنه الحجاب، وهذا كله من تلبيس وتخليط الشيطان.
وأضغاث جمع ضغث، والضغث هو ….، لقوله تعالى: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ) [ص: 44] أي امسك بيدك عودا، فيما يشبه العصا، (فَاضْرِب بِّهِ)، حتى لا يؤلم، ولا يترك أثرا. ولو قال “أضغاثا” بالجمع لفهم أن يمسك حزمة من الأعواد، فقوله (فَاضْرِب بِّهِ) يفيد أن (ضِغْثًا) مفرد لا جمع، فلا يصح أن يقال أن الضغث حزمة، أو خلط من الأعشاب. كما في قوله تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) [التوبة: 102]، والعمل هنا هو العبادة، أي خلطوا عبادات منها عبادة صالحة، وافقت شرع الله، وأخرى عبادات سئية، أي سيئات أعمال، يحسبونها صالحة، خالفت شرع الله، وهي فيها من السوء والبدع ما يبطلها.
كما في لسان العرب: “وكلامٌ ضَغْثٌ وضَغَثٌ: لا خير فيه، والجمع أَضْغاثٌ. وفي النوادر: يقال لنُفَايةِ المالِ وضَعْفانه: ضَغاثَةٌ من الإِبل، وضَغابةٌ، وغُثابة، وغُثاثة، وقُثاثة.
وأَضْغَاثُ أَحلام الرُّؤْيا: التي لا يصحُّ تأْويلها لاختلاطها، والضِّغْثُ: الحُلْم الذي لا تأْويل له، ولا خير فيه، والجمع أَضْغاثٌ.
وفي التنزيل العزيز: قالوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ أَي رؤْياكَ أَخلاطٌ، ليست برؤْيا بَيِّنةٍ، وما نحن بتأْويل الأَحلام بعالمين أَي ليس للرُّؤْيا المختلفة عندنا تأْويل، لأَنها لا يصحُّ تأْويلها.
قد أَضْغَثَ الرؤْيا، وضَغَثَ الحديثَ: خَلَطَه. ابن شميل: أَتانا بضِغْثِ خَبرٍ، وأَضْغَاثٍ من الأَخْبارِ أَي ضُرُوبٍ منها؛ وكذلك أَضْغاثُ الرؤْيا: اخْتِلاطها والتِباسُها“. ا. هـ
وقد كان يوحى للنبي عليه الصلاة والسلام مناما، فلما كان يحدث الناس بما يرى، لم يكذبوه على ما يرى، لأنهم لم يجربوا عليه كذبا قط، لقوله تعالى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء: 5]، فصنفوا ما يراه على أنه أضغاث أحلام، فأنكروا أنها وحي من الله تعالى، ثم لم يجدوا مهربا من الحق إلا أن قالوا (افْتَرَاهُ).
الرؤى اليقظية أو رؤيا العين:
بخلاف ما يراه الإنسان في منامه من رؤى منامية، فإنه يرى رؤيا العين رؤى يقظية، ولا حظت هذا يتكرر مع المصابين بالمس والسحر خاصة. وأقرب ما يكون من هذه الرؤى ما يراه الإنسان السليم من المرض الروحي بين النوم واليقظة، بمجرد أن يعتريه شبه غفوة سريعة. لم يدرج أحد من المتخصصين هذا التقسيم بين أنواع المنامات المختلفة، فالرؤى عندهم منامية فقط، إلا أن هناك نصوص تشير إلى حدوث رؤيا يقظية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قد يقال أن هذا خصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يوجد نص يفيد الحصر، ويمنع وقوع هذا لغيره، ولكننا وقعنا في العجز عن التمييز بين النوعين، فأغفلنا هذا التقسيم.
وقد ورد ذكر ما يفيد تكرار الرؤى في قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) [يوسف: 43]، فقوله (إِنِّي أَرَىٰ) جاء بصيغة المضارعة ليفيد تكرار الرؤيا، أي تكرر رؤيته لنفس الرؤيا. وإن كان لم يقل “إني أرى في المنام” إلا أن قوله تعالى: (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) [يوسف: 44] أفاد أن ما رآه كان مناما، لأن أضغاث الأحلام لا تكون إلا مناما.
وقال تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) [الصافات: 102]، قوله (أَرَىٰ) فعل مضارع يفيد التكرار، أي رأيتها ولا زال يتكرر رؤياها (فِي الْمَنَامِ) أي في نومه، فلم يراها في منامه مرة واحدة فقط، بل تكرر رؤيته لنفس الرؤيا في نومه، وهذه من الرؤى المنامية. بينما قال تعالى في سورة يوسف: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) [يوسف: 4] فقوله (رَأَيْتُ) جاءت بصيغة الماضي، بما يفيد التمام، أي تمت الرؤيا واحدة، فلم تتكرر، وهنا جاء قوله (إِنِّي رَأَيْتُ) مجردا، غير مقترن بذكر المنام، وإلا لقال “إني رأيت في المنام”، كما قال إبراهيم عليه السلام (إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ)، فربما كانت رؤيا يقظة، لا رؤيا منام، كالتي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)، وقد ورد في هذا روايات تشير إلى أنها كانت رؤيا عين، لا رؤيا منام.
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
خلاصة حكم المحدث:صح عن ابن عباس وغيره
خلاصة حكم المحدث:إسناده صحيح
ولم أجد أحدا تكلم عنه من قبل،
ربما لاعتياد الناس نسبته إلى الرؤى المنامية، رغم أنهم منتبهون متيقظون. لكن هذه السنة، هي مجرد نعاس، وليست نوما بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هي غشية للحظة، بسب حلول الملك لتصوير الرؤيا. وقد ورد في الأثر خبر يشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا يقظة لا رؤيا منام.
الرؤى المنامية:
من المنامات الرؤى المنامية؛ يتم تصويرها من خلال تواصل أنفس مغايرة بنفس النائم، سواء كانت نفس ملائكية، أم نفس جنية، فينقل الملك أو الجن ما في نفسه من صور وأفكار إلى نفس النائم، فيستيقظ ليتذكر ما رأته نفسه، وكأنه كان يرى ويسمع في الحقيقة.
يا بني آدم! لا يصيبنكم الغرور، فلسنا وحدنا من نرى رؤى صالحة، حتى الجن يرون رؤى منامية كذلك، ومنهم الجن المسلم، فإما أن يصورها لهم ملك من الملائكة عليهم السلام، وإما أن يصورها ملك من ملائكة الجن، كما أن إبليس كان من ملائكة الجن، وأمر بالسجود معهم لآدم عليه السلام، فأبى واستكبر، لقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف: 50]، فإبليس كان ملكا من الجن، وليس ملكا من الملائكة، فالجن يصور بعضهم لبعض الرؤى المنامية، كما يصورون لنا.
حتى شياطين الجن تتسلط على الجن بأحلام شيطانية، كما يتسلطون بها على البشر تماما، فيسحر بعضهم لبعض، ويتسلط بعضهم على بعض، فالأحلام الشيطانية ما هي إلا أسحار، والأحلام قد تضر بالرائي، والسحر لا يضر إلا بإذن الله تعالى لقوله: (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102]. وهذا ما سوف نشرحه ونوضحه في هذا البحث.
قدرة الجن على تصوير للمنامات:
المنامات أقرب ما تكون من رسالات مصورة، ومشفرة، يتم بثها إلى نفس النائم، ويدركها بعقله، فلا مانع من أن تتفاعل معها نفسه، فيتأثر بها الرائي، مما ينعكس على حالته النفسية من فرح أو حزن، لكن دون أن يتدخل الرائي في تغيير مجريات أحداث المنام، على غرار حديث النفس الذي تتغير فيها التصورات ومجريات الأحداث بحسب رغبات النائم.
الجن بعمومهم، لهم القدرة على تصوير المنامات للبشر، سواء كان جن مسلم أم كافر، فطالما ثبت أن للشيطان بصفته من الجن القدرة على تصوير المنامات، فقد علم أنها قدرة تشمل الجن كلهم مؤمنهم وكافرهم. هذا وإن لم يرد تصريح بعموم قدرة الجن على تصوير المنامات، إلا أنه هذا يعلم بدلالة اللزوم طالما أن الرؤيا من الله تعالى، فيمكن من شاء من الملائكة أو الجن المؤمن من تصوير الرؤى، ويعلم بدلالة التضمن طالما أن الشيطان وهو من الجن قادر على تصوير المنامات، فكذلك يدخل الجن المؤمن في نفس القدرة لأنهم والشياطين من جنس واحد، أي من الجن.
فإن كان الشيطان، وهو من الجن، له القدرة على تصوير المنامات، فإذن عموم الجن لهم القدرة على تصوير تلك المنامات. وإن كان الشيطان يصور للإنسان ما يكره، ويحزنه ليخوفه ويروعه ويؤذيه، فإن الجن المؤمن لن يؤذي إنسانا أبدا، بل سيصور له ما فيه الخير، وما يحبه. لكن المعبرون على وفرتهم يأولون الرؤى المنامية دون أن يقحموا أنفسهم في نسبتها إلى من صورها إن كان ملكا أم جنا.
وكما أنه هناك جن مسلم، فكذلك يوجد جن نصراني ويهودي، ومجوسي، وهندوسي، وجن من كل ملة، فكل أهل ملة من الجن يصور لأتباع ملتهم من الإنس بعض الرؤى، فإن كان مصدر بعض النبوءات للجن المسلم هم الجن الملائكي، فإن مصدر النبوءات لدى الجن من أهل الكتاب استراق السمع، وهو سحر تمارسه الشياطين للتنجيم والكهانة، والحصول على النبوءات عن طريق استراق السمع للملائكة، إما يسترقون السمع لملك من الملائكة، وإما لملك من الجن المؤمن الصالح، وتلقي الجن من كل ملة بهذه النبوءات إلى أهل ملتهم.
الرؤى من وسائل الاتصال بين الجن والإنس:
تعد الرؤى المنامية وسيلة اتصال عالم الملائكة والجن بعالم الإنس، فقدرتهم على الاتصا المنامي مثبتة، إلا أن سلطة الاتصال تقع في يد الملك أو الجن، لكن لا يستطيع الإنسان أن يتواصل معهما، ولا أن يمنعهما من الاتصال.
بل المنامات هي من الوحي، إما وحي بخير من ملك أو جن مؤمن، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71]، فإن كان في قدرة الجن المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مناما، فهذا واجب عليه، خاصة في حق المؤمنين من الإنس، هذا مع الاستطاعة. ولا مانع أن يقوم الجن المؤمن بالإيحاء للإنسان المسلم يقظة، بخاطرة، أو فكرة يوحي بها إليه، يكون فيها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فإن كان للشيطان أن يوسوس بشر، فالجن المؤمن يقدر أن يوحي بخير، فيعظ المؤمن ويدعوه إلى كل خير.
ومن هذا الوحي بخير، ما يقوم به القرين المؤمن، المقترن بكل إنسان مؤمن، وإن لم يرد قول صريح بصدده، إلا أنه ذكر في السنة باسم (واعظُ اللهِ في قلبِ كلِّ مُؤْمِنٍ) كما ورد في عدة روايات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضَربَ اللهُ مثلًا صِراطًا مستقِيمًا ، وعَنْ جَنَبَتِي الصِّراطِ سُّورانِ فيهِما أبوابٌ مفتحةٌ ، وعلى الأبوابِ سُتُورٌ مُرْخاةٌ ، وعِند رأسِ الصِّراطِ داعٍ يقولُ : استقِيمُوا على الصِّراطِ ولا تَعْوَجُّوا ؛ وفَوقَ ذلكَ داعٍ يدعُوكلَّما هَمَّ عبدٌ أنْ يفتحَ شيئًا من تلكَ الأبوابِ ؛ قال : ويْلَكَ ! لا تفتحْه ، فإنَّك إنْ تَفْتَحْه تَلِجْهُ ، ثمَّ فَسَّرَهُ ، فأخبرَ أنَّ الصِّراطَ هو الإسلامُ ، وأنَّ الأبوابَ المُفتَّحةَ محارمُ اللهِ ، وأنَّ السُّتُورَ الْمُرخاةَ حُدودُ اللهِ ، والدَّاعِي على رأسِ الصِّراطِ هو القرآنُ ، والدَّاعِي من فوقِه هو واعظُ اللهِ في قلبِ كلِّ مُؤْمِنٍ).
خلاصة حكم المحدث:صحيح
ورد في مصنف ابن أبي شيبة (6/182) رؤيا عائشة رضي الله عنها حدثنا عبد الله بن بكر السهمي عن حاتم بن أبي صغيرة عن ابن أبي مليكة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أنها قتلت جانا، فأتيت فيما يرى النائم فقيل لها: أما والله لقد قتلت مسلما! قالت: فلم يدخل علي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: ما تدخل عليك إلا عليك ثيابك. فأصبحت فزعة، وأمرت باثني عشر ألفا في سبيل الله .
وإما وسوسة بشر من الشيطان، قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام: 112]، فالشيطان لا يدخر جهدا في إيذاء البشر، ولا يفوت فرصة لذلك، وهذا وعيد قطعه على نفسه، قال تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16، 17]. فالشياطين يوحون إلى أولياءهم ويوجهونهم، إما وسوسة يقظة أو مناما، قال تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) [الأنعام: 121].
فما كان من الرؤى المنامية من نبوءات مستقبلية فمصدر معلوماتها من الله تبارك وحده لا شريك له في هذا، هذا إن كانت نبوءات صادقة، أما إن كانت نبوءات كاذبة فهي من الشيطان، ولا شك في هذا. وقد يصور الشيطان نبوءات مختلطة للنائم، بعضها صادق وبعضها كاذب، فيضيف إلى الصادق منها بعضا من الكذب وطرفا من اجتهاداته، فيتحقق منها جزء ولا يتحقق الباقي، فما تحقق منها أغلبه من الله تبارك وتعالى، أو من بعض اجتهادات الشياطين وحساباتهم، وما لم يتحقق فكله من الشيطان. وهذا كمنامات الكهنة والعرافين، وبعض منامات المصابين بالمس، فتسدرجهم كهنة الجن إلى طريق الكهانة والعرافة وممارسة سحر التنجيم.
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
خلاصة حكم المحدث:صحيح
بل قد تخلط الشياطين على الرائي رؤاه الصالحة، فبعدما ينهي الملك أو الجن المسلم تصوير الرؤيا الصادقة، يتدخل الشيطان فيبث من كذبه إليها، فيظن من لا علم له بالتعبير أن ما بثه الشطيان جزء من الرؤيا، ولا يدري الرائي أن ما رآه الجزء الأول منه من الله، والجزء الأخير من تلعب الشيطان ليفسد عليه رؤياه. لذلك فمن أصول تعبير الرؤى، طرح ما أضافه الشيطان إلى الرؤيا، ثم تعبير الصحيح منها، هذا يلزم منه أن يكون المعبر حاذقا لماحا، قادرا على تمييز ما كان من الله، وما كان من الشيطان.
أما في حالة أن تكون رؤى زاجرة، أو ناهية، أو مؤيدة، فإما يوكل بها ملك من الملائكة بأمر من الله تبارك وتعالى، أو يتطوع أحد من الجن بعمومهم مؤمن أو كافر فيصورها للنائم. فقد يحضك الجن المؤمن على فعل خير أنت مقدم عليه، أو ينهاك عنه، لأن فيه شر علمه الجني وخفي عنك، كأن ينهاك عن الزواج بإنسان فاسق، وخفي عن الرائي فسقه وفجوره، فالزواج خير في عمومه، ولكن قد يكون شرا بخصوص الارتباط بشخص ما.
وقد يحضك الشيطان على فعل خير في ظاهره، لكن عاقبته فيها سوء لك، أو ينهاك عن فعل خير ويخوفك منه، على سبيل المثال لا الحصر؛ قد يكون أمامك مشروع تجاري مربح، ولكن الشيطان علم بأن هناك مكيدة اقتصادية يدبرها شياطين الإنس، لإحداث انهيار في سوق المال، كما يحدث هذا في كل يوم، وفي كل البلاد من العالم، فيخسر هذا الشخص أمواله، وتبور تجارته. فمن المهم على المعبر، وخاصة المعالج الشرعي، أن يحسن تمييز الحلم الشيطاني، ويفرق بينه وبين الرؤى الصحيحة، وبمنتهى الدقة، ليكتشف ما وراء هذا الحلم من كيد قد يخفى أمره على الرائي.
كذلك لا يصح الاعتماد على الرؤى المنامية في الحكم على الأشخاص، إلا من خلال رؤى صحيحة معتبرة، خاصة أن هناك الكثيرين مما يظنون أنه بالاستخارة يجب أن يروا رؤيا تحض أو تنهى عن أمر ما، وهذا مفهوم خاطئ قد يؤدي للوقع فيما نخشى ونحذر، ثم نرجع نندم على سوء اختيارنا، فالاستخارة لا يلزم منها رؤية منام، إنما يلزم منها تيسير الأمر إن كان خيرا، والصرف عنه إن كان شرا، وقد يرى أحدهم رؤيا صادقة، لكن هذا استثناء لا يبنى عليه قاعدة.
ومنها ما تصوره الملائكة، أو الجن المؤمن، فيصور الملك للعباد مؤمنهم أو كافرهم، مما علمه الله تبارك وتعالى، وأمره به، وهي أعلى المنامات رتبة ومنزلة، وأرقاها في التصوير، وأجلاها معنى. أو ما يصوره الجن المؤمن؛ مما علمه؛ إما من الجن الملائكي الذين يعرجون في السموات العلى، أي الجن الذين هم بمنزلة الملائكة، توافقا مع الملائكة في الصلاح، وليس توافقا في الخلقة، وهي تأتي في المرتبة الثانية منزلة بعد الرؤى التي يصورها الملائكة، فلا يصح حصر تصوير المنامات على الملائكة فقط، طالما أن للجن القدرة على القيام بهذا.
هذا فيما يخص النبوءات المستقبلية، وليست كل الرؤى نبوءات، فقد تكون فيها زجر عن معصية، أو حض على معروف، أو إنذار بشر قد يقع فيه العبد، وهذه قد يستنبطها الجن من مجريات الأحداث حول الرائي في حياته. فما تصوره الجن على قسمين، رؤى صالحة يصورها الجن المسلم، كما تصورها الملائكة، وهذه الرؤى لها تأويل وتعبير، وهي مما يهتم به المفسرون والمعبرون، ومنها رؤى سوء تصورها شياطين الجن، وهي ما تسمى بالأحلام.
وقد تجتمع سحرة الجن على جن ملائكي فيأسرونه، وييقومون بتعريضه للعذاب الشديد الأليم، والتسلط عليه بالأسحار القوية، حتى يقر لهم ببعض النبوءات مما علمه ربه تبارك وتعالى. فشياطين الجن لا علم لديهم، والجن والإنس لا علم لديهم إلا ما علمهم ربهم، إما إلهاما، أو وحيا أنزله على رسله، لذلك فحصول الشياطين على العلم لا يتم بطريقة شرعية، ولكن يغتصبون العلم من الجن المؤمن اغتصابا أو احتيالا، كما تعلموا من الملكين هاروت وماروت، وكما شرحت في مواضع أخرى من أبحاثي؛ أنهما ملكين من ملائكة الجن يوحى إليهما، فأخذت الشياطين من علمهما الرباني، ومزجوه بالسحر، فزاد علم الملكين سحرهم قوة وبأسا، لذلك كانا يحذران كل من تعلم منهما قبل أن يعلماه.
الأسحار المنامية:
والأسحار المنامية هي كل ما يتعرض له الإنسان من أسحار أثناء نومه، حيث يسحر الشيطان للنائم أسحارا كثيرة مختلفة لا حصر لها،كما يسحر له أسحارا كثيرة في اليقظة، وليس أدل على هذا من (سحر الوسوسة)، هذا على سبيل المثال لا الحصر، والتي يمارسها الشيطان في كل وقت وحين. وإن كنا نستدل بوجود الأسحار الاعتيادية على وجود أسحار خاصة، إلا أننا يجب أن نفرق بين الأسحار الاعتيادية واليومية التي يقوم بها الشيطان، وبين الأسحار المقترنة بالإصابة الروحية، فهذه الأسحار الغرض منها دعم الأسحار التي على المريض، وإمسابها قو ثبات، بهدف إفشال أي محاولات لهدهمها عن طريق العلاج.
وقد أكدت السنة على هذا، بما لا يدع مجالا للشك في وجود أسحار منامية، كما أن هناك أسحارا أخرى يقظية، هذا فضلا عن شكوى الناس التي تنتهي من تعرضهم للسحر أثاء نومهم، فالإنسان وهو نائم لا يسلم من كيد الشيطان وتلاعبه.
ومن أمثال ذلك أن الشيطان يعقد على النائم عقدا سحرية، منها عقد على قافية الرأس، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة مكانها : عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) .
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
خلاصة حكم المحدث:[أشار في المقدمة إلى صحته]
خلاصة حكم المحدث:صحيح
من أنواع الأسحار الشائعة بين الناس، والتي لا يلقى لها بالا، رغم أن النصوص أشارت إليها تارة، ولمحت إليها تارة أخرى، في أكثر من موضع، ونبهت إلى أهميتها وخطورتها، إلا أنه لم يرد أي قول من معالج متخصص بشأنها، هذا فضلا عن غياب أي ذكر لها من الفقهاء وشارحي الكتاب السنة، ألا وهي (الأسحار المنامية). وهي عبارة عن أسحار يصنعها في الغالب سحرة الجن على هيئة منامات يراها النائم، فيصيبه الضرر بسببها بإذن الله تبارك وتعالى. لكن لا مانع مطلقا، قيام سحرة الإنس بتكليف خادم السحر بتصوير منام سحري لشخص مستهدف بالأذى، فيقوم شطيان خادم للسحر بتصوير المنام المكلف به للشخص الموكل به، تبعا لأمر التكليف الصادر من ساحر جني، أو ساحر إنسي.
وإن كانت خبراتنا كمعالجين لا تزال محدودة حتى الآن، فلا يمكننا التمييز بين المنام السحري بتكليف من ساحر إنسي من جني، لأن الشيطان هو من يقوم بتصوير المنام، ولكن في بعض الحالات قد يستشف هذا من طبيعة المنام.
لكي نفهم هذا النوع من الأسحار، أي الأسحار المنامية؛ فإنها عبارة عن تكليف مصور مناميا، يتفاعل معه المسحور له أثناء نومه. فما يصوره الشيطان مناما، قد يتحقق في الواقع، ويصيب النائم ما رآه في منامه. وهذا التكليف المصور على غرار التكليف المنطوق، والتكليف المكتوب، فكلها آليات مختلفة لإصدار أمر التكليف، والهدف منها واحد، وهو تكليف خدام السحر بالقيام بمهمة محددة.
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:صحيح
ومركز الإبصار يقع عند قافية الرأس، ومن خلال مركز الإبصار يتم تصور الرؤى المنامية،
خلاصة حكم المحدث:حسن صحيح
فما يراه النائم من مشاهد هي في حد ذاتها أمر تكليف لخدام السحر لتنفيذ ما تم تصويره في النائم، فيرى أن سيارته احترقت، وبعد أيام تحترق السيارة بالفعل، أو ترى امرأة حامل ثمة حية تلتف حولها وتعتصرها، وبعد مرور أيام تشكو من الإجهاض. البعض يعتبر هذا كرامات أن يرى مصيبة ثم تتحقق، والحقيقة أن رؤيا المؤمن كلها خير وبشارة من الله تعالى، لكن أمثال هذه الرؤى التي يشوبها التحزين هي من الشياطن ومن سحرة الجن، ولا يصح أن تنسب إلى الله تبارك وتعالى.
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:صحيح
أنواع أمر التكليف:
أمر تكليف منطوق: وهو كل ما ينطق به الساحر من أوامر يوجهها إلى خدام السحر.
أمر تكليف مكتوب: وهونفس الأمر المنطوق، إلا ان نص الكلام يكون مكتوبا، ويشمل كل ما يكتبه الساحر من أوامر بمداد نجس أو مسحور يكلف به الشياطين بمهمة محددة.
أمر تكليف مرسوم: ويكون عبارة عن أمر تكليف يحتوي رسوما على ورق أو غيره، أو منحوت على الصخر أو المعادن. ومثال هذا نجده على المعابد والمقابر المصرية القديمة، وهي ما تسمى بالحروف الهيروغلوفية.
أمر تكليف مصور: وهو أمر تكليف لخدام السحر يصوره لهم الساحر ويخيله إليهم فينفذون ما رأوه.
أمر تكليف مجسم: وهو عبارة عن أمر تكليف يصنعه على هيئة دمى ومجسمات.
أمر تكليف ذهني: فبمجرد تصويب الساحر نظره إلى شيء ما، حتى تتوكل به الشياطين، بينما يتواصل فكريا مع خدام السحر، فيوجه إليهم الأوامر ذهنيا، بدون أن يصدر أي صوت، وهذا من أعتى السحرة، فهو يكلف السحر بسحر آخر، لأن تواصله مع الخدام ذهنيا لا يتم إلا بسحر.
عادة ما يكون أمر التكليف عبارة عن كلام منطوق، فيتمتم الساحر بالتكليف للشياطين بفعل كذا وكذا، أو نصا مكتوبا، لكن هناك طريقة مختلفة من التكليف ألا وهو التكليف المصور، فيقوم الشيطان بتصوير رؤيا منامية للشخص المستهدف بالسحر، ولأن النائم يكون شبه مسلوب الإرادة، فإنه يتفاعل مع الرؤيا الشيطانية، وبالتالي يتم السحر له من خلال ما يراه في منامه.
فقد يرى المسحور له في المنام فتاة باهرة الجمال تقدم له زهرة جميلة ليشمها، وما هي إلا شيطانة ساحرة، تقدم له سحرا مشموما، تحمله في تلك الزهرة، الجميلة، فتغريه الشيطانة بجمالها، فيفتتن بها ليقبل منها الزهرة ويشمها، وبهذا يتم السحر له وهو لا يدري.
بينما في حالات أخرى؛ قد يرى النائم أن هناك من يطعمه في منامه، فيتناول هذا الطعام، ولا يدري أنه طعام جني مسحور له فيه، وبهذا يتم السحر له (سحر الإطعام) فيما يطلق عليه أهل المغرب العربي (سحر التوكال)، وهو من نوعية الأسحار المنتشرة لديهم، ولدى بلاد أخرى كثيرة، وهذا أدرجه ضمن الأسحار المنامية.
في هذه النوعية من التكليف المصور، يستغل الشيطان طبيعة الإنسان النائم، خاصة وأنه يدرك رغباته المكبوتة، وعاداته المألوفة، فيصور له في منامه ما يضمن به تفاعله مع أحداث المنام، فيقع السحر ويتمكن من هذا الشخص. وبكل أسف لأن معبري الرؤى غير متخصصين في الطب الروحي، فإنهم يطرحون من قائمة اهتمامهم هذه المنامات، ويعتبرونها من عمل الشطيان، ويرون أنه لا أهمية لها، ولا معنى يستفاد من وراءها، فيطلبون من السائل الاستعاذة بالله منها حتى لا تضره.
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
خلاصة حكم المحدث:صحيح
خلاصة حكم المحدث:صحيح
إلا أنه في بعض الحالات قد تبدو هذه الإجراءات غير كافية وحدها للتخلص من هذا السحر، خاصة إن كان مقدرا للمسحور أن يضره هذا السحر بإذن الله لقوله تعالى: (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102]، فطالما قدر للإنسان الضرر، فلا راد لقضاء الله، وهنا لا يرفع السحر إلا بالعلاج الشرعي. خاصة في حالة إصابة الإنسان بالمس والسحر، لأن الشيطان الساحر لا زال كامنا، ومتربصا بالمريض، ولا زالت محاولاته للكيد بهذا الشخص مستمرة ولم تتوقف. هذا إن فطن النائم أنه يجب عليه الاستعاذة، فالشيطان قد يمكر به، فيسحر له برؤيا جميلة، فيستيقظ ولا يستعيذ بالله، فتضره بإذن الله تعالى. لذلك ففي بعض الحالات التي تشكو من الإصابة الرحية، قد لا يكفي النفث والاستعاذة لوقف الضرر، لكن هذا غير كاف للتعامل مع الشيطان المترصد بالإنسان، ولهذا على المعالج الدعاء بإحضار هذا السحر المنامي والتعامل معه، لأن الشيطان فضح تواجده، وكشف كيده بهذا الإنسان، وهنا يجب على المعالج عدم إهمال تلك المنامات، ويجب عليه التعامل معها.
قد يقع السحر بالمسحور فيتأذى من أعراضه، ولكن لا يضره، فليس شرطا للمسحور له أن يجد للسحر ضررا إلا من بعض الأذى، لأن الأذى يختلف عن الضرر، لقوله تعالى: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى) [آل عمران: 111]. فقد يصيب الثوب بعض الأذى من وحل أو غبار، فهذا يمكن غسله وتنظيفه، لك إن تضرر الثوب فتمزق أو احترق فلا يمكن استخدامه مرة أخرى. فإن أصاب الإنسان مرض يفضي إلى الموت، وكان السحر سببا في المرض، فيمكن علاج المرض والصبر عليه، لكن إن أدى المرض إلى القتل فمات، فلا يمكن إرجاعه للحياة مرة أخرى، فالمرض أذى يحتمل، والموت ضرر لا يرجى له إصلاح.
كذلك الأذى الذي يقع بين الزوجين من تفريق بينهما ونزاعات، يختلف عن الوقوع الضرر من هذا وهو الطلاق، فوجود النزاعات بينهما أذى قد يحتمل تبعاته، لكن وقوع الطلاق ضرر له تبعاته التي لا تحتمل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سحر له، فوجد للسحر أذى وأعراضا تحملها وصبر عليها، لكن لم يضره السحر، فلم يؤثر في نبوته والوحي، ولا فيما ينقل عن ربه تبارك وتعالى.
لذلك يجب على المعالج عند تشخيص أي حالة مرضية، أن يستعرض ما أمكن أكبر قدر ممكن من مناماته، وكذلك الكشوفات السمعية والبصرية اليقظية منها والمنامية، فبمجرد أن يقص المريض منامه على المعالج، فإن هذه الأسحار تحضر ويبدأ علاجها، لأن كشف السحر للمعالج في حد ذاته جزء من علاجه، وكشف السحر جزء من مراحل إباطاله، فكلما كان السحر مخفيا كلما كان أقوى وأكثر ثباتا، فإن كشف السحر ضعف ووهن. لكن لا يصح أن يقص النائم أحلامه الشيطانية على غير معالج شرعي، لورود النهي عن هذا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يُخبِرْ بها أحدًا)، وهذا نص عام، ولكل قاعدة استثناء، والمعالج الشرعي طبيب يستثنى من هذا العموم، لأن دوره هو علاج تلك الأسحار والتخلص منها، ومن الشيطان الساحر القائم بها. حقيقة قد نتخلص من ضرر المنام بالنفث والاستعاذة، ولكن الشيطان الساحر لا يزال مستمرا في تكرار محاولاته، والتي لن تتوقف إلا بالقضاء عليه والتخلص منه، لذلك يستثنى المعالج من عموم النهي عن سرد الأحلام على الناس.
الحلم ما هو إلا صورة من صور الوسوسة، فكما أن هناك وسوسة يقظية، وهو ما يعتري الإنسان من أفكار تتبادر إلى ذهنه يقظة، فكذلك هناك وسوسة منامية، وهو ما يعتري النائم من رؤى سوء، وأحلام شيطانية. فيصور للنائم مشاهد حية وكأنه واقع يعيشه ويتفاعل معه، وهنا لا ينقل الشيطان ويبث للإنسان مجرد أفكار وخواطر، وإنما يجري معه حوارا، ويتكلم معه كلاما واضح بين، وهذا من أهم الفاورق بين الوسوسة اليقظية هو خواطر وأفكار، وبين الوسوسة المنامية وهي صور ومشاهد وحوارات وكلام واضح مفهوم. ولكن هناك حالة أخرى من الوسوسة تجمع بين الوسوسة المنامية واليقظية، وهذا مرتبط فقط بحالات الإصابة بالمس والسحر، فيرى المريض بعقله صورا ومشاهد، ويسمع كلاما مفهوم المعنى، سواء كان يقظة أم مناما، فعلى سبيل المثال قد يسمع المريض من يناديه باسمه، ويلتفت يمينا ويسارا فلا يجد أحدا، ولا حتى من هم من معه يسمعون ما سمعه، وهذا يعتبر أحد أعراض المس والسحر، ويدرجه الأطباء النفسيون تحت مسمى الهلاوس السمعية والبصرية، لكن لا تعقيب لديهم إن كانت تلك السمعيات والبصريات معقولة، وتفوق ثقافة المريض، ومغايرة لمخزونه المعلوماتي. وهذه الأحلام هي من وحي الشيطان للإنسان، فالوسوسة ومنها الأحلام هي صورة من صور الوحي المنامي المتبادل بين الإنس والجان، قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام: 112].